ولعله فيما أتذكر، فقد أكملت دراستي الجامعية، هنا، دون أن تصطدم أذني أبدا بهذا المصطلح القاتل عن تقابلية السنة والشيعة. لم تكن أدوات هذا المصطلح ومفرداته ترد في أي خطبة أو منبر حتى منتصف ثمانينات القرن الماضي، ويومها كان الخطاب الديني يدندن حول الحداثة والماسونية وأندية "الروتاري" وأشياء أخرى من مداخل بدء خطابات التحذير من الليبرالية والقومية. أكملت الجامعة أيضا، وأنا أيضا متأكد، أن مفردة "العلمانية" لم تدخل بعد إلى قاموس المنبر العربي. في نهايات النصف الثاني من ذات ثمانينات القرن الماضي ابتدأت رحلة الدراسة العليا في الولايات المتحدة وهناك سمعت للمرة الأولى تمرير هذا المصطلح التقابلي ما بين السنة والشيعة. كان من الصدف النادرة في فصول الدراسة بجامعة كلورادو أن أتعرف على المثقف الضخم الدكتور سعد بن طفلة العجمي وعلى أستاذنا الزائر الآخر الكبير، الدكتور أحمد الربعي رحمه الله. كان الزميلان غارقين في بحور القومية العربية بصدق وعمق وأقرب إلى الفكرة الناصرية وإن كان الدكتور سعد بن طفلة يميل إلى أفكار البعث العربي الاشتراكي حتى كان ما كان من صدام حسين كي يفيق من صدمة هائلة، كل ما سبق تمهيد لما يلي: كان أحمد الربعي، رحمه الله، يرى أن بلده الكويت قائدة رائدة في الحالة العربية لأفكار التنوير ورأس الخارطة العربية لأنها اعتمدت في الاختلاف الفكري على التعددية السياسية وحريات تبني الانتماء للأحزاب السياسية ولطالما سمعت منه مرات كثيرة تحذيره الدائم من أن السعودية ستغرق في حروب تقابلية المذاهب لأنها مجتمع قائم على الانتصار للفكرة "الثيوقراطية"، كان يرتكن حينها على أن المجتمع الكويتي يستقطب رموز الفكر العربي ويصدر جواهر دورياته ومجلاته الثقافية فيما كانت السعودية، يومها، مسرحا للفكرة الصحوية السرورية. وفي مرات قليلة كان الزميلان يأخذاني إلى النادي الطلابي الكويتي في دنفر، حيث تتماهى وتذوب تقابلية المذهبين بينما كنا نحن السعوديين في ذات الولاية فسطاطين متباعدين. جمعة ما قبل الأمس لم تحصد الكويت أعلى نسبة ضحايا في مسجد بين دول الخليج، بل دخلت الحصاد المر الذي بدأ يدمر حصون التنوير التي طالما تباهت بها الكويت.