حسب ما نشرته الصحف قبل أيام فقد ألقي القبض على 37 شابا يفحطون بسياراتهم ويجاهرون بالإفطار، ولعلنا ننظر إلى القضية ببعد آخر كونها أبعد مما تبدو عليه، حيث إن مشكلات الشباب موجودة في كل المجتمعات بنِسَب وحدّية متفاوتة، وبسلوكيات مختلفة أيضا، كطريقة ناتجة عن إحساسهم بالضياع في مجتمعهم عندما لا يساعدهم المجتمع على فهم أنفسهم ولا يحدد أدوارهم بوضوح.
التمسك بالعبادات كالصيام والصلاة هو شأن شخصي يأتي تعبيرا عن مدى الامتثال للتعاليم الدينية ولسنا في مجال نقاشه، لكن التمرد على قيم المجتمع -المتمسك بها تمسكاً شديداً- يضع الأمر في محل طرح الأسئلة، فيما أن المجتمع يستنكر مثل هذا السلوك ويعتبره جريمة، أي أن هذا المعيار الاجتماعي هو ما دفع الشباب لمخالفته بطريقة مؤداها لفت الانتباه، وكأنهم يقولون لمن يراهم أو يسمع عنهم "نحن هنا" في ظل شعورهم بالإهمال، فيأتي من صور هذا السلوك الكثير من المظاهر الأخرى التي تتعدد أضرارها على المستويات الفردية والاجتماعية، كالإدمان والتحرش والتفحيط وتكسير الممتلكات العامة.
إن الضدية القائمة في سلوك الشاب بهذه الصورة تفسر مدى الصراع القائم بين الهوية وصاحبها، كما أن الهوية تدفع بصاحبها للتعبير عن نفسه حتى تحقق وجودها في سلوكه بأي طريقة، فالطاقة التي يتمتع بها الشباب كبيرة وحصار الفراغ والبطالة لها تجعلها في أزمة، وإذا لم تجد متنفسا في البناء ستذهب للبحث عن متنفس آخر في التدمير، لذلك تجده رغما عن سوء النتيجة التي يصل إليها يتفاخر بفشله وعبثه وتعثره في ظل إحساسه بالعجز واللامعيارية واللامعنى، بينما يقابل المجتمع شبابه بالتذمر والغضب والعقوبات الصارمة مما يزيد المسألة تعقيداً.
نستنتج أن لدينا الكثير من النفسيات المغتربة والمسكونة بالتمرد كطاقة كامنة يتم من خلالها تحرير السلوك، وكأسلوب ناقم على القيود المحيطة بواقع الفرد والتي تسلب رغباته الذاتية ولا تستوعب احتياجاته الأساسية، ولا تحترم فردانيته بمعنى عدم احترام المجتمع لاختيارات الفرد الشخصية، ثم يولد لديه نتيجة لذلك رفض القيم والمعايير الاجتماعية وفقدان الثقة، كذلك عدم الانتماء والعدوانية، مما يؤدي إلى حالة من التناقض القائم بينه وبين ذاته، وبينه وبين الآخرين، كذلك الظهور باللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية في مختلف نواحي حياته.
كون الأنظمة الحكومية حريصة على مواجهة الأخطار الاجتماعية فإن هناك حاجة ماسة لمناقشة قضايا الشباب والتخطيط من أجل شغل الفراغ لديهم، ودعم السياسات التي من شأنها تنمية الوعي، والنظر إلى الشباب بوصفهم جزءا مهما من قوة العمل الاقتصادية والتنموية للمجتمع.