في 28 مايو 2015م كتبت مقالاً دافعت فيه عن قرار وزير التعليم حول أهمية أن يكون المبتعثون على حسابهم الخاص ملتزمين بالجدية في الدراسة وفي الجامعات والتخصصات الموجودة في قوائم الوزارة، ولا زلت أقول إنه قرار صائب ودعوت الوزارة حينئذ أن تعجل في ضم من هم ملتزمون بهذه الشروط وحققوها، وفي كتاباتي أحرص كل الحرص على المساعدة في اتخاذ القرار المناسب بهدف المساعدة لا بهدف النقد للنقد، وفي ما يتعلق بقرار الوزارة "وظيفتك بعثتك" الذي تم بوجبه اتباع سياسة توقيع عقود مع وزارات ومؤسسات حكومية منها على سبيل المثال وزارة التجارة والصناعة، واتفاقية الابتعاث مع وزارة الشؤون الاجتماعية، واتفاقية الابتعاث مع شركة سابك، وهيئة الطيران المدني، وغيرها من الوزارات وما سيلحق بها من وزارات ومؤسسات، هذا من حيث التنظير قرار صائب، لكننا نتساءل بموضوعية تامة عن واقعية القرار.

فمن خلال تجاربنا الواسعة والعديدة لا تكون هناك استجابة كاملة لكامل الميزانيات التي تعدها الوزارات عند كل ميزانية جديدة للدولة، ومن البنود التي تتعرض للاجتزاء بند الوظائف. دعونا نتبنى رؤية واقعية وهي تخرج المبتعثين الذين تم ابتعاثهم بموجب تلك الاتفاقيات ولم تتم الموافقة على عدد الوظائف التي وعدت بها تلك الوزارات، كيف سيكون التصرف وقتئذٍ؟ وماذا سنقول لأولئك المبتعثين؟ أظن أن وزارة التعليم بهذا المشروع تؤجل المشكلة ولا تحلها. بل إن المشكلة المتعلقة بوزارة واحدة الآن تأجلت لتكون مشكلة متعلقة بكل الوزارات وكل المؤسسات التي تم توقيع العقود معها ووعدت المبتعثين بالوظائف، هذا من جانب ومن الجانب الآخر الاتفاقيات الموقعة من قبل الوزارات والمؤسسات ليس للبنات جزء كبير منها، اللهم إلا جزءا يسيرا في بعض الوزارات مثل وزارة الشؤون الاجتماعية التي لا أظن أن يتجاوز احتياجها من هذا المشروع بضع مئات. ولهذا فالجانب الأنثوي مغيب إلى حد ما من مشروع "وظيفتك بعثتك".

الجانب الثالث والمهم جداً أنه يوجد الآن أعداد كبيرة من المبتعثين المتخرجين ضمن المرحلتين السابقتين وفي كل التخصصات ومن ضمنها التخصصات التي وقعتها وزارة التعليم مع الوزارات والمؤسسات، فلماذا لا توظفهم تلك لوزارات والمؤسسات وهم جاهزون؟ نسأل: هل الهدف حل المشكلة أم تأجيلها؟ ربط الابتعاث بالتوظيف جانب مهم جدا ويحل مشكلة التوظيف، لكن ليس بهذه الطريقة التي تتبنى الوعد بالوظيفة في ظروف غير معروفة تتعلق بظروف الميزانية في السنوات المقبلة التي يفترض أن نأخذ حيالها أمرين مهمين في الحسبان: الأول أسعار البترول والآخر ما نعرفه حق المعرفة من عدم الموافقة على كل ما تطلبه الوزارات في مقترح ميزانياتها التي تناقشها كل عام مع وزارة المالية.. فما الحل إذن؟

هناك مقترحان أرى أن تتبناهما وزارة التعليم هما أخف وطأة وإشكالية من مشروع "وظيفتك بعثتك" وهما: أن تقوم تلك الوزارات والمؤسسات بوضع الأعداد التي تم اتفاق عليها مع وزارة التعليم على وظائف قبل ابتعاثهم وهنا نضمن الوظيفة للمبتعث ونتجنب إشكالية الوضع القائم للمتخرجين المبتعثين الذين يبحثون عن وظائف فلا نزيد الطين بلة. لا بد أن ننظر للأمر بواقعية ونعرف تمام المعرفة أننا لا نضمن أعداد الوظائف التي وعدت بها الوزارات والمؤسسات ببساطة لأنها لا تملك السلطة الأخيرة في إقرار تلك الأعداد في ميزانياتها، وتعلم تلك الوزارات أن الأمر يتعلق بظروف وزارة المالية في كل عام، وتعرف تلك الوزارات والمؤسسات أيضاً تمام المعرفة أنه لا تتم الموافقة على كامل مقترحاتها في الميزانيات التي تتقدم بها كل عام وإنما يتم تقليصها للحد الذي تسمح به الظروف المالية كل عام. المقترح الآخر: إذا أردنا أن ننهج منهج التوفير علينا أن نلجأ للابتعاث الداخلي.. قد يقول قائل إن الجامعات الداخلية ليست في المستوى المطلوب والإجابة على هذا الطرح عن طريقين أولهما أن هناك جامعات فعلا على مستوى متقدم ويمكنها تحقيق ما تحققه الجامعات في الخارج إلى حد ما؛ فوسيلة التدريس فيها هي اللغة الإنجليزية ومستواها يحقق الهدف، والآخر إذا ثبت وانقدح لنا أن هناك جامعات ليست في المستوى المطلوب أو ليست هناك قناعة بما تقدمه، فلماذا نبتلي سوق عمل بلادنا بها وهي تخرج له كوادر غير مؤهلة للسوق؟ فإما أن نعمل على الارتقاء بمستواها أو نقفلها. لكن لا نحتج أن جامعاتنا الأهلية غير مؤهلة للابتعاث الداخلي.

وبمقارنة يسيرة ثبت لنا أن الابتعاث الداخلي تصل وفرته إلى الثلث وإلى النصف أحيانا في بعض التخصصات على مستوى الرسوم الدراسية، فضلا عن توفير المكافآت والتأمين الطبي ومصاريف الكتب وتذاكر السفر وما إلى ذلك.

الابتعاث الداخلي هو أجدى من مشروع "وظيفتك بعثتك" وأقل بمساحة واسعة جدا كلفة منه، إضافة إلى أن هناك وعدا غير مؤكد بالتوظيف، والمؤمل من وزارة التعليم أن تدرس هذه المقترحات بجدية، فأرى بوضوح أنها سبيل إلى الحل لتحسين مشروع الابتعاث الذي يعتبر مشروعا رائدا للبلاد سنرى أثره الإيجابي بإذن الله في تنميتنا.