يبدو أن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، لن تظل باردة بل سترتفع درجات حرارتها حتى تبلغ تغطية كل الأجواء في العالم بالصواريخ والتهديد بإطلاقها.

لم يعد هناك حد معين للتوتر والقلق، فكل بلد بات يستعرض قدراته على تهديد الآخر وشل أركانه، والأكيد أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين هم الأكثر فاعلية في ذلك، حتى إن حربهم مع روسيا كانت في معظمها صوتية ومناوشات عبر دول تابعة جانبية كما كانت حتى ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، بل إنها من فرط البحث عن الألم للآخر بلغت نجوم الأرض عبر كرة القدم؛ لذا لا مناص من التحكم في كل ما يسعد الروس، ويقلب هذه السعادة إلى ألم، فتنظيم مونديال 2018 ما يزال ينتظر القرار الأميركي بعد أن تمكنت وزارة العدل التابعة له من قلب الاتحاد الدولي لكرة القدم رأسا على عقب، وجعله بانتظار الرحمة الأميركية لمواصلة أعماله، وكله لأجل كسر كبرياء روسيا وإعادتها إلى المسار الصحيح بأن تعتذر عما فعلته في أوكرانيا وتخرج ذليلة منها.

هذا ما نحن عليه بين الدولتين العظميين، وإن كانت نسبة العظمة لم تعد إلى ما كانت عليه حتى ما قبل التمزق السوفيتي خلال النصف الثاني من عقد الثمانينات الميلادي، لكن الحرب بين البلدين وإن كانت بدون أسلحة أو حتى باستخدامها من خلال أيدي آخرين خلال الحروب بالوكالة في جميع أنحاء العالم، والحرب النفسية والدعائية والتقنية وسباق الفضاء، إلا أنها تشمل الآن كما في السابق كل شيء: الاقتصاد والإعلام والرياضة، ولعل الأخيرة قد دفعت الثمن كبيرا جراء هذا التنافر والتحدي، ولن يكون بمقدور كثيرين أن يتجاوزوا القرار الأميركي إذا ما أراد أن يمنع شيئا كما فعل حين قاطع ومعه دول كثيرة مونديال موسكو 1980 احتجاجا على اجتياح السوفيت لأفغانستان، ورد السوفيت وأتباعهم بالعمل بالمثل بمقاطعة أولمبياد لوس أنجليس 1984.

إذًا علينا أن نتوقع كل شيء في إطار الحرب التي لم تعد دافئة بين القوتين العظميين، وندعوهما لأن يمارسا ما كانا يفعلانه خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي بالتهديد والوعيد العسكري فقط. لكن دون تنفيذ، وقد يبدو السبب في السابق أن هناك من يملكون الحكمة والرؤية والقدرة على استشراف الواقع وتأثير الخلاف على كوكب الأرض بما يؤدي إلى تدميره، وهو ما لا نثق به الآن خاصة أن الطيش السياسي هو من يتحكم في القرار، الأمر الذي سيجعلنا نتمنى لو أن الأمر اقتصر فقط على قتل كرة القدم العالمية على ألا يقتل الناس في حرب مدمرة بين القطبين.

نعود إلى ما بدأنا به لنشير إلى أن توقعنا بأن الحرب لن تظل باردة نظير ما بدأ يطلقه الرئيس الروسي بوتين من أن بلاده بدأت بنشر الصواريخ البلاستية "المحظورة وفق معاهدات دولية"، وأميركا على الخط نفسه من خلال توسيع ترسانتها النووية في أوروبا، وفي نشر صواريخ كروز مزودة برؤوس نووية في ألمانيا ودول أخرى.

علينا أن ننتظر أكثر، فالمسألة ليست أوكرانيا وكأس العالم لكرة القدم فقط، بل هي عودة الهيمنة والتهديد بالحرب، وما بأيدينا إلا أن نتفرج من بعيد وندعو بأن يحمي الله كوكبنا قبل كرتنا من عبث الأميركان والروس.