بعيدا عن الأهل والأصدقاء وإمكانات الحياة الوثيرة، هناك في الحد الجنوبي، تحت لهيب الحر وفي أجواء الصيام، ووسط ظروف بالغة الصعوبة، يرابط جنودنا على جبهة الحرب؛ لردع كل من تسول له نفسه محاولة المساس بأرض الوطن وأمن مواطنيه، سواء من ميليشيات المتمردين الحوثيين أو فلول القوات الانقلابية التابعة للرئيس المخلوع على عبدالله صالح، يرابط "حماة الوطن" وكلهم حماسة وإصرار وإيمان وعزيمة، مدركين أن كلا منهم "مشروع شهيد" فداء لدينهم ووطنهم وحماية لأبناء وطنهم.
ولعل بعض الصور لجنودنا على الجبهة التي بثتها شاشات التلفزة والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي خير دليل على هذه الروح المعنوية المرتفعة، فهذه صورة جندي قابض على سلاحه وفي الوقت ذاته يحمل كتاب الله بيده اليمني، يتلو ورده القرآني، وقد اغرورقت عيناه من خشية الله، ليجسد بصدق قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله".
هذا الجندي وغيره كثيرون من منسوبي وزارة الدفاع والحرس الوطني والقطاعات العسكرية الأخرى يضربون أروع الأمثلة ويعطون لنا دروسا في البذل والتضحية والعطاء والفداء، رغم ما يعانيه بعضهم في التأقلم مع التضاريس، إذ تم استدعاؤهم من المناطق الأخرى للالتحاق بجبهة القتال في الجنوب، والأمر اللافت وغير المستغرب في الوقت ذاته أنه على الرغم من أن سماحة المفتي أجاز للجنود الموجودين على الحدود مع اليمن إفطار رمضان فإنهم حريصون على الصيام.
وتقديري أنه على الرغم من أن بعضنا ضرب مثالا يحتذى في التضامن مع "أبطال الجيش" على جبهة القتال، إذ بادرت مجموعة من المعلمات بإحدى مدارس جازان قبل حلول شهر رمضان بتوفير كميات كبيرة من العصائر والمشروبات والمياه والفواكه وتقديمها كهدية تقديرية لأفراد الجيش المرابطين، وأيضا قيام رجال شرطة جازان بتوزيع عدد من وجبات الإفطار على رجال الأمن المرابطين على خط النار، إلا أننا –كمواطنين– لم نقدم ما يكفي لشد أزر جنودنا وإشعارهم أننا معهم قلبا وقالبا في ميدان المعركة.
من منا زار أسرة مرابط على الحدود كي يعوضهم حرمانهم من ابنهم؟ من منا أفطر مع ذوي شهيد من شهداء الواجب؟ من منا سعى إلى حل مشكلة لأحد جنودنا المرابطين كي يؤدي واجبه وهو مرتاح البال، مستندا إلى مجتمع يدرك جيدا أنه لن يدعه يواجه أزمته بمفرده؟
صحيح أن الدولة لا تقصر في حق أبنائها، لا سيما أبناء القطاعات العسكرية لكنني هنا أتحدث عن دور مجتمعي يحتاج إلى مزيد من التفعيل، ولعل مناشدة محمد الودعاني، أحد أفراد القوات البرية المرابطين في الحد الجنوبي، لأهل الخير بالتبرع بجزء من الكبد لابنته "الهنوف" خير دليل على ما أقول، ففلذة كبده البالغة من العمر ثماني سنوات والتي تعاني من تليف كبدي، وترقد في مدينة الأمير سلطان الطبية بالرياض في قسم زراعة الكبد تنتظر تبرعا بجزء من الكبد من أهل الخير؛ لإنقاذها من الموت.