م. عايض الميلبي


نعم، قد يكون ابنك داعشيا! لم لا؟ فنحن في زمن العولمة وزمن القرية العالمية الصغيرة، وزمن الشبكة العنكبوتية وما أفرزته من مواقع تواصل ونحوها، هذا كله يجعل الفرد في حالة اتصال مع ما يدور في العالم؛ وبالتالي لا تستبعد أن يصبح ابنك أو أخوك أو أحد أقربائك ضحية للفكر الداعشي الذي يستقطب فرائسه من شتى البقاع.

الأفكار والرؤى والمناهج باتت معروضة أمام الجميع، وبالطبع صارت مواقع التواصل الاجتماعي سوقا رائجة لأطروحات أناس، يدّعون الدين ويتدثرون لباسه، يأخذون منه القليل ويخلطونه بتوجهات هدفها بائس، لا يجلب إلا الضياع والهلاك لمن يلبي النداء، ويعلن الولاء.

حقا، لقد بات الفكر عابرا للقارات وأحيانا مدمرا، مثله مثل الصواريخ الحديثة التي تعبر البحار والمحيطات؛ لتقتل البشر وتدمر ممتلكاتهم.

إذًا الاحتمال وارد، فقد يوجد خطاب يجعل الفرد محفزا لتلقي سموم الأفكار المتطرفة، وبين عشية وضحاها ربما يصبح جنديا لـ"داعش"، أسيرا لتوجهه اللعين، ينفذ ما يمليه عليه أحد شياطين الإنس، وقد رأينا ما حدث أخيرا في المساجد، وعلمنا أن أحد الإرهابيين قتل أباه، وآخر أزهق روح خاله، وثالث أطلق النار على رجال الأمن، ورابع غادر البلاد ذاهبا بنفسه إلى "داعش" ظنا منه أنه متجه للدفاع عن الحق.

بهذا يتبين أن غزو الأفكار صار أخطر غزو، خاصة إذا كان موجها إلى جيل المراهقين والشباب ممن تخفى عليهم بواطن الأمور؛ فيندفعون وراء بريق القشور متجاهلين المضمون الذي عادة ما يكون سياسيا بحتا، يتخذ الدين مطية لجلب الأنصار والأتباع، وفي حال أتيح لأحدنا تتبع حلقات سلسلة أي عمل إرهابي لوجد أن الحلقة الأخيرة والكبرى جهة استخباراتية تنتمي لقوى معادية للعرب والمسلمين!

أيها الأب والمربى الفاضل، احرص على مراقبة من تتولى أمرهم، حاول معرفة من يجالسون، واحرص على جعل البيئة التي ينشأ فيها الأبناء صالحة بعيدة عن المتطرفين ومنهجهم، ربِّهم على سماحة الدين ووسطيته وتقبل الآخرين، اجعل القاعدة التي يرتكزون عليها صلبة لا تهزها رياح العابثين، ولا تجرفها سيول الأفكار التي يبثها الإعلام بمختلف وسائله من تلفاز ومواقع تواصل وما شابه ذلك. راقب تصرفات ابنك وتصريحاته بطريقة غير مباشرة، لا تكن شرطيا على رأسه في كل سكناته وتحركاته، لكن لا تقل ولدي لن يحيد عن الصواب وأنت لم تنر له الطريق، فابن الجيران الذي فجع أهله بذهابه إلى مواطن "داعش" كان أبوه يثق به خاصة من جانب الانحراف الفكري غير أن تلك الثقة تحولت هما وقهرا تحرق جوف أم مكلومة، وصدمة حيرت لب أب مغلوب على أمره.