يعد الفيصل علامة فارقة في تاريخ السياسة العربية والعالمية، ويأتي فقده المؤلم ليس خسارة سعودية فحسب، بل خسارة عربية وعالمية لسياسة التوازنات الهادئة التي كان يتمتع بها بحكمته وحنكته السياسية التي كانت مثار دهشة عالمية.
كل الذين تعاملوا معه في العالم سياسيا عرفوا عنه خبرة وحنكة منقطعة النظير.
وكان من أهم ميزات هذا الرمز السياسي المختلف أنه قرن السياسة بالأخلاق والقيم، فالسياسة متحولة ومتغيرة، لكن القيم والأخلاق لا تتغير فهو أمير الأخلاق والنبل والسياسة والديبلوماسية معا.
لقد وضع الفيصل السعودية في مقام الريادة والقيادة للعرب أجمع، وجعلها صمام أمان في أزمات كثيرة وكبيرة كادت أن تنفجر لولا سياسته التي تميزت بالحكمة العربية ورؤيته التوافقية.
ومن أبرز سماته العمل بإخلاص وصمت وهدوء بعيدا عن الأضواء الإعلامية، حب الظهور والاستعراض ليس أحد اهتماماته، والمتابع للإعلام العربي يلحظ أن صوره قليلة بل نادرة عدا ما يظهر له في اجتماعات ومؤتمرات عالمية أوعربية عامة.
لقد رفع راية التسامح وأدب الاختلاف، وكان في مقدم ركب الديبلوماسية العربية، ومناصرا كبيرا للشعوب العربية المظلومة والمهضومة، ومفاوضا شرسا في المحافل الدولية فيما يخص قضايا الأمة العربية، سيما القضية الفلسطينية وغير مرة أحرج الساسة الصهاينة بمواقفه الصلبة التي كان يحسب لها الصهاينة ألف حساب.
قدراته العقلية الهائلة مختلفة عن كثير من الممارسين للسياسة، بكل ذكاء ودهاء سياسي عربي لافت، وذلك لما يتمتع به من ثقافة وسعة اطلاع ولغات مختلفة ودربة سياسية مستمرة ومتطورة.
لقد كان مثالا نادرا لم ولن يتكرر وحياته وإرثه الديبلوماسي سيبقى محل دراسة وبحث عالمي، فقد كان وجوده في صميم السياسة العربية والعالمية، بما يتمتع به من إدارة السياسة بنجاح وقدرة فائقة على حبس أنفاس الفتنة، بل وأدها في مهدها وترويض المخالفين وردعهم أوتحييدهم وتجاوز الخلافات العربية التي كادت أن تعصف بالأمة العربية في لحظات تاريخية حاسمة، وقد عاصر أزمات وتولى ملفات خطيرة وكبيرة فقادها بكل هدوء نحو بر الأمان.
وباختصار، فالفيصل علامة فارقة وفاصلة تضاف إلى علامات الترقيم في السياسة العربية، وإنها لحظة أليمة وحزينة تمر بها الأمة العربية لفقد جبل السياسة والعطاء في تاريخ السعودية ومنطقة الشرق الأوسط.