يتسم القرن الحالي بالتركيز على إثبات الوجود والتسويق له بمختلف الوسائل، خاصة في ظل الثورة المعلوماتية الهائلة التي يشهدها العالم. كل برنامج تلفزيوني، أو مهرجان ثقافي، أو مؤتمر علمي، يبحث عن داعمين وممولين، وفي المقابل يتم إبراز الجهات الداعمة والراعية لهذا النشاط أو ذاك نظير ما تقدمه من دعم.

تمتلك دول الخليج العربي المقومات السياسية والاقتصادية كافة لإيصال صوتها وموقفها بقوة إلى دول العالم إلا أن ذلك لم يتحقق بالصورة المأمولة التي تليق بمكانة هذه الدول، وبالتالي تحتاج -من وجهة نظري- إلى رسم استراتيجيات جديدة في هذا الصدد، واستثمار الثورة الإعلامية والتقنية على أكمل وجه. أين نحن، على سبيل المثال، من الإعلام الغربي من صحافة وتلفزيون؟ كم مسؤولا وسياسيا خليجيا يقدم مداخلة في برامج تلك القنوات أو يكتب مقالا يبرز من خلاله الموقف الخليجي تجاه القضايا الساخنة؟ الأمر الذي ينعكس على توجه الرأي الغربي والصورة النمطية لدولنا. من جانب آخر، نحتاج إلى قنوات تلفزيونية إخبارية وحوارية رزينة واحترافية، ناطقة بلغات مختلفة كالإنجليزية والإسبانية والتركية والفارسية، لنقل مواقفنا إلى ذلك "الآخر"، بل حتى على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، وتويتر على وجه الخصوص، هناك عدد ضئيل جدا من المثقفين والنخب الفكرية الخليجية يغرد باللغات الأجنبية حول قضايانا. نحن في الوقت الراهن نتحدث إلى أنفسنا عبر القنوات الكثيرة والمتنوعة التي تبث باللغة العربية. هنا نحتاج أن نسأل أنفسنا سؤالا محددا: هل نحن، فعلا، بحاجة إلى إقناع أنفسنا بسياساتنا ومواقفنا من الأحداث التي تعصف بالمنطقة؟ الإجابة بطبيعة الحال بالنفي. الأهم أن ننقل ذلك إلى الطرف الآخر، ونكثف عملنا الإعلامي من أجل إيصال وجهة نظرنا ليس إلى المسؤولين الغربيين بالدرجة الأولى، بل إلى النخب المثقفة وكتّاب الرأي والمحللين السياسيين هناك.

على صعيد آخر، نحن غائبون، أو مغيبون، عن بيوت الخبرة ومراكز الدراسات الاستراتيجية في الشرق والغرب. الأمر ذاته ينطبق أيضا على موضوع التأليف والنشر العلمي باللغات الأجنبية، فلا تكاد تجد باحثا خليجيا ينشر ورقة بحثية رصينة تلقي الضوء على جوانب سياسية وثقافية وتاريخية وأدبية مضيئة ليس لها ذكر في المؤلفات الغربية. هذه المراكز، وتلك المجلات والدوريات، تلعب دورا محوريا ومهما في صياغة التوجهات والمواقف السياسية للحكومات، ووجود ثلة من أبنائنا في تلك المراكز البحثية، وما يصدر عنها من نتاج بحثي، يخدم مصالح دولنا ويسهم في ضمان حضور الصوت الخليجي، ويصحح المفاهيم الخاطئة أو المضللة عن هذه الدول التي تسعى بعض قوى الضغط (اللوبيات) لدول إقليمية إلى الترويج لها بدوافع بعيدة تماما عن المنهج البحثي الرصين، ومن ثم تؤثر تلك التوجهات السياسية، بشكل مباشر أو غير مباشر، على السياسات الغربية التي تعتمد بمستويات مختلفة على الرؤى والاستراتيجيات التي تقدمها تلك المراكز البحثية.

قصور آخر نجده، مع الأسف الشديد، في التعاطي مع الأقسام التي تدرس اللغة العربية وآدابها. أين نحن من تنظيم زيارات لبعض طلاب وأساتذة أقسام الدراسات الشرق أوسطية في الجامعات الغربية الذين يرغب ويتمنى بعضهم -ومن واقع تجربة شخصية- زيارة دول الخليج العربي، خاصة المملكة العربية السعودية؟ وفي الوقت الراهن، وفي ظل ما يعرف بـ"الربيع العربي" يواجه طلاب دراسات اللغة العربية مشكلات حقيقية تتمثل في وجود دولة عربية مناسبة تستضيفهم في منطقة الشرق الأوسط للمكوث بعض الوقت، لتحسين تحصيلهم اللغوي وإلمامهم بالثقافة العربية، وأعتقد أن الفرصة سانحة حاليا لدول الخليج العربي لاقتناصها واستثمارها مما ينصب في تغيير الصور النمطية التي رسخت في عقولهم عن دولنا، وما وجود أولئك على أرض الواقع إلا كفيل بتغيير تلك الصور المشوهة البعيدة عن الواقع.

نتساءل أيضا عن الدور الذي تقوم به الملحقيات الثقافية والأقسام الثقافية في السفارات الخليجية في الخارج، فما نتوقعه منها القيام بتنظيم مؤتمرات وندوات ذات جوانب وتخصصات متعددة، يلقيها أو يشارك فيها متحدثون متخصصون قادمون من دولنا. لا يعني ذلك أن يتحدث هذا الضيف عن بلاده بصورة نموذجية وكأنها مدينة أفلاطون الفاضلة، بل يكون الطرح أكثر موضوعية وواقعية، مع إبراز الجوانب التي قد تكون غائبة في الإعلام المحلي للبلد المستضيف. ولا ننسى أيضا، دور الطلبة المبتعثين للخارج؛ فهم سفراء لبلدانهم، ومشاركاتهم في المؤتمرات العلمية والثقافية والأنشطة المختلفة تقدم رسائل تسهم كثيرا في نقل صورة تمثل واقع البلدان الخليجية.

شخصيا، أرى أن وقوف دول الخليج العربي عند هذا الجانب ليس بالمستوى المأمول، مما يتيح للطرف الآخر -بغض النظر عن هويته- مساحة واسعة ليسوّق لنفسه على حساب دولنا، وربما يبرزها بصورة سلبية في إطار "سياسة شيطنة الخصوم"، وتكرار هذه الشيطنة في بعض المؤتمرات والندوات التي تتحدث بشكل أو بآخر عن الصراعات السياسية في المنطقة، يقود إلى خروج هذه الملتقيات بصورة أحادية غالبا ما تفتقد للمصداقية والحيادية.

ختاما، لا ينبغي إغفال أهمية المشاركة الشعبية والعمل التطوعي في وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبار هذه المشاركة تعتمد على الشباب، خاصة من يجيد منهم لغة أجنبية، فذلك كفيل بأن يوصل عبر تلك الرسائل صوتهم إلى المخاطبين بشكل مباشر. 

همسة: غيابك يضر بك وينفع خصومك ومنافسيك فضلا عن أعدائك، فكن حاضرا.