في ثنايا دراسة استطلاعية يورد الباحث الدكتور عبدالمجيد الغامدي أن ما يقرب من 60% من صغار السن لدينا يحملون البذرة الفكرية الدافعة للانزلاق في غياهب الإرهاب (صحيفة الجزيرة 29/5/2015 الصفحة الخامسة). الباحث نفسه عمل حتى تقاعده النهائي مدرسا ومديرا لعدة مدارس ثانوية. وبالطبع أرجو أن نلاحظ دقة اللغة في الاستنتاج، فالباحث يتحدث عن (القابلية) لا عن الانخراط أو التبني العملي والفعلي للأفكار الإرهابية. وكل خوفي أن ينتهي مصير مثل هذه الدراسة إلى مجرد خبر شارد وقصير في زاوية معتمة بوسط صحيفة.
وقبل عدة سنوات خلت، كتبت هنا، رسالة مدير مدرسة لا تختلف في شيء عن الاستنتاج الذي ذهب إليه الدكتور الغامدي سوى في التوقيت وفي هول النسبة المتزايدة في القبول بهذه الأفكار الخطيرة. يومها اكتشف مدير المدرسة بالاستقصاء أن ربع الطلاب في مدرسته الثانوية يتأخرون يوميا في الحضور إلى الطابور المدرسي لأنهم يرون إما حرمة أو كراهية ترديد النشيد الوطني. اليوم، لا أتذكر بالضبط كم هي نسبة طلاب مدرسته الذين كانوا يرون في أسامة بن لادن بطلا ورمزا في ذلك الزمن. لكنني ومرة أخرى، لا زلت واثقا أن في جل مدارسنا الثانوية بالتحديد مجاميع طلابية تدخل بوابات المدارس إلى غرف "تثقيف" مقفلة قبل الطابور بنصف ساعة ولا تخرج منها إلا بعد انتهائه ثم تعود لاجتماعات ورحلات خلوية في المساء، وخارج إطار المدرسة. لا زلت أيضا أتذكر كيف أحدثت فينا دور الأيتام السعودية مطلع العقد الماضي تلك الصدمة عن أطفال صغار كانوا لا يعرفون حتى اسم راحلنا الكبير، فهد بن عبدالعزيز، ولا زالت كلماتهم موثقة في تسجيلات بصرية صوتية. ولمن ينكرون هذه الحقائق المخيفة عن مثل هذه الشواهد المخيفة من تفخيخ عقول كي تنفجر في جسد حاضنتها ومجتمعها، سأحيلكم إلى نشرة مطبوعة بريالات المال العام وصادرة من واحدة من أشهر إدارات التعليم: اقرأوا ما نشر فيها كي تعرفوا أن اللعب بهذه العقول من أجيالنا الصاعدة أصبح على المكشوف المنشور في مطبوعة تربوية. قصة هذه "النشرة" تعرفها وزارة التعليم جيدا، وعملت من أجلها ما استطاعت، ولكن: من المؤسف بمكان أن الحيلة الوحيدة هي الإطاحة برأسين من سنام الهرم وسحب النشرة من أرفف مكتبات المدارس.
أختم: لا زلت أيضا أتذكر ذلك الأب الستيني الذي جاءني باكيا دخول نجله الأكبر عامه التاسع في السجن بينما لا زال "المغذي" لأفكاره حرا طليقا يستلم راتبه كاملا آخر الشهر. لا زالت غرفة "التثقيف" السرية مفتوحة في نفس المدرسة ولا زالت رحلات المساء الخلوية على مصراعيها... الأسباب التي أوصلتنا لهذه النسب المخيفة موجودة ولا يوجد شك في استجلاب الجواب.