لنختلف مع ناصر القصبي فيما ذهب إليه عبر حلقة المطرب التائب، ويظل ما طرحه قابلا للنقاش والأخذ والرد، لكن ألا تلاحظون أننا انتقائيون في طروحاتنا واختيار خصومنا، بل وتحديد مشكلاتنا ومن يثيرونها؟

من جهتي فقد لامست ذلك، فليس القصبي وحده من يحتاج إلى الوقوف عند ما يطرحه عبر مسلسلاته، وليس هو فقط من يجب أن يحاسب ولو فكريا على ما طرحه، هناك الشيخ الذي ما فتئنا نراه يقود التحليل والتحريم اقتصاديا، وفجأة نراه في مراتب وظيفية عالية لدى من هم أهل المحرمات ماليا سابقا وحاضرا يناكف ويدافع عنهم وإذا اشتد عليه الوطيس اعتذر وخنع.. وآخر من فرط كثرة مؤلفاته قيل عنه الشيخ المثقف، وفجأة ظهرت الحقيقة ليكون السارق لفكر وكتابات ومؤلفات الغير، وبأمر من المحكمة وليس من الرأي العام فقط.

ألم أقل لكم إننا انتقائيون في نقدنا، وحتى في اختيار خصومنا، والأكيد أنه لم يحن زمن أن نكون فيه متفقين بجميع أطيافنا ضد من يتجاوز حدودنا الدنيوية والأخروية، فهل المصالح هي السبب؟ قد يكون ذلك، لكن ثمة مسألة تخص الضدية فلن تجد من الليبراليين من يخرج تجاه من يشابهه توجها ليقول له أخطأت.. حتى لو كان تجاوزه على الدين والمعتقد.. وكذلك بين المتدينين، فمن وقف ضد سارق المؤلفات ومن احتج على المتساهل في الربا.. ومن رفض وطالب بمحاسبة من تجرأ على الرسل والصحابة؟ هي حرب مستعرة بين جانبين كل ينتصر لصاحبه حتى لو بلغ كل الزلل؟

ما يحدث بين الأفكار التي تنتصر لمن ينتمي لها ذكّرني بقصة التاجر الصيني الذي قال عن بعض تجار عرب تعامل معهم إنهم ملتزمون دينيا في المطاعم حين السؤال عن لحم الخنزير ورفض كل ما هو ليس حلالا أو مسكرا، وعكس ذلك في المصنع حين يطلبون منه تغيير الشريط الذي يشير إلى أنها صنعت بالصين، ليكون صنع في اليابان أو ألمانيا؟! 

نعم نحن غريبون مختلفون، فنظام القبيلة ما زال يحكمنا بالانتصار لمن ينتمي لنا حتى لو أفسد واستحق العقاب، فما زالت ثقافتها مترسخة دون أن نعلم أنها تؤثر فينا ليس بين الليبراليين والمتدينين فقط، بل في شتى مناحي حياتنا في منافسات كرة القدم التي تأخذ بلباب المجتمع، وفي نقد الأدب وفي احتفالاتنا وحتى قنواتنا التلفزيونية، بصراحة نحن بلغنا حدا من التعصب لبعضنا غطى على عيوننا كثيرا، ولم نعد نرى إلا ما نريد رؤيته.

ذلك هو مجتمعنا وتلك هي خصوماتنا واختلافاتنا، لن نجد لها حلا ما دام أن مناهجنا التعليمية ما زالت تعيش بين مد وجذب وإسقاط ومجاملة، وبين احتفالاتنا التي ما زالت تسيطر عليها القبيلة والمنطقة والأعراف القديمة، ناهيك عن أن أطروحات ممثلينا في مجلس الشورى أقرب إلى الغثاء الممل، حتى إنك تستغرب من بعض قراراتهم التي عبرت عن بعض الفكر المجتمعي الذي نتمنى  اضمحلاله.. لكن "ما باليد حيلة"، علينا أن ننتظر زمنا طويلا حتى يكتب الله لنا أن نكون عونا لبعضنا في كل ما يخص مجتمعنا وفكرنا.