لقد كنت متفائلة إلى حد كبير عندما توقعت أن تلقى مفاوضات جنيف اليمنية مصير نظيرتها السورية، لكن الواقع لم يكن كذلك، فعلى الأقل تمكن جنيف السوري في نسخته الأولى من صياغة بيان يحتوي على مجموعة بنود ستة، رغم تضارب وجهات النظر بشأن ترتيبها وأولوية كل منها على أجندة البحث، ونجح بنسخته الثانية في جمع وفدي النظام والمعارضة على طاولة واحدة، ليخرج بمجموعة تفاهمات على الصعيد الإنساني حول فك الحصار عن حمص القديمة والسماح بدخول المساعدات الغذائية، وهو ما حدث فعلا قبل أن تتعقد الأمور فيما بعد ويعلن مبعوث الأمم المتحدة السابق لحل الأزمة الأخضر الإبراهيمي وصول المفاوضات إلى طريق مسدود.
في الحالة اليمنية تبدو الأمور أكثر تعقيدا، ولا أعرف صراحة على أي أساس بنى الموفد الأممي الجديد إسماعيل ولد الشيخ أحمد تفاؤله الذي صور له بأن الفشل الذي انتهى إليه أسبوع من المباحثات الشاقة في جنيف، يشكل أرضية خصبة لحل الأزمة في اليمن، أسبوع كامل ولم تفلح الجهود الدولية في خلق نقطة حوار مشتركة بين طرفي الأزمة يمكن الحديث بشأنها، حتى مسألة الهدنة الإنسانية التي من المنطقي أن تدخل حيز التنفيذ بالتزامن مع شهر رمضان المبارك باتت تلوح بعيدا في الأفق.
يجب أن نعترف بحقيقة دامغة وهي أنه في الحالتين السورية واليمنية لم يكن لدى أطراف الأزمة أي رغبة في التحاور، ومجيئهم إلى جنيف كان استجابة للضغوط الدولية، لا سيما تلك التي تقودها الأمم المتحدة لتثبت للعالم أنها لا زالت تضطلع بدورها في حل الأزمات، وأنها الأساس الذي يجب أن يتحرك ضمن إطاره ما بات يعرف بالمجتمع الدولي.
الواقع يقول العكس تماما، فلقد كشفت ثورات الربيع العربي وما لحقها من أزمات سياسية وأمنية في دول المنطقة، عن فشل ذريع في السياسات الدولية المتبعة من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي حيال كل تلك الأزمات، وأكبر دليل على ذلك هو كم القرارات الأممية الملزمة التي صوت عليها المجلس وكان بعضها تحت الفصل السابع، لكنها لم تعرف طريقها إلى التطبيق على أرض الواقع، وكان مصيرها أدراج المكاتب إن لم نقل أدراج الرياح.
لا يمكننا أيضا إلقاء اللوم فقط على هذه المنظمة الدولية، التي يعكس واقعها الأليم واقعا أكثر قسوة يعيشه العالم بأسره، فلا توجد هناك رغبة دولية حقيقية في إيجاد الحلول، لأن هناك دولا تعيش على الأزمات، ومصالحها تقتات على إبقائها مشتعلة، بل وتستخدم في سبيل ذلك كل ما تيسر لها من أموال ومجموعات ضغط سياسية، ما يعني استمرارا ممنهجا لما تشهده منطقتنا من تدهور أمني وسياسي، الذي أرجو أن لا ينحرف مستقبلا إلى سيناريوهات أكثر قتامة.
لا أريد أن أكون متشائمة، لكنني أذكر حتى الآن زيارتي الأولى إلى مقر الأمم المتحدة قبل عامين، تلك الزيارة تزامنت مع رفض المملكة العربية السعودية مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن، والذي فازت به بعد حصولها على غالبية الأصوات، كان ذلك احتجاجا على السياسات التي يتبعها المجلس، وتخاذله عن الاضطلاع بدوره في رفع الظلم وتحقيق مبدأ العدالة الدولية، ومع أنني حينها لم أكن مؤيدة لقرار الانسحاب، لكنني أيقنت اليوم بأنها كانت خطوة على الطريق الصحيح.