نبأ سعيد. مكتبة الجامعة ابتداءً من الأسبوع المقبل ستشرع أبوابها للطلبة طوال 24 ساعة. تحقق ما انتظرناه طويلا. كل الرؤساء السابقين الذين تعاقبوا على رئاسة جمعية الطلاب في جامعتنا البريطانية وعدونا وأخلفوا. وعدونا بأنهم سيسهمون في زيادة ساعات المكتبة. لكن لا أحد منهم أوفى بوعده سوى الرئيس الأصلع. هذا الرئيس الذي انتخبناه اعتباطا. انتخبناه بعد أن فقدنا الثقة في الشعارات البراقة واستدرجنا بعبارة ساخرة زرعها في كل الأرجاء قائلا: "أنا أصلع، ولن أهدر وقتي ووقتكم بتسريح شعري!". بعد أن فاز الأصلع بالانتخابات وألقى كلمة في مسرح الجامعة التفتنا نحن الطلاب تجاه بعضنا البعض وجزمنا أنه سيكون أسوأ رئيس مر على جمعيات طلاب المملكة المتحدة وماجاورها. فقد كان كسولا في حركته وحديثه. كسولا في تطلعاته وآماله. كلمته افتقرت للحماسة وملابسه للألوان. خرجنا جميعا بانطباع واحد مبكر أننا ارتكبنا حماقة كبيرة كوننا رشحنا رئيسا بهذه المواصفات وهذا الأسلوب. فلم يقنعنا فكيف يقنع إدارة الجامعة مستقبلا؟

لم يدم تأنيبنا لضميرنا طويلا. الرئيس الأصلع فاجأنا جميعا بنجاحه في تمديد فترة استعارة الكتب من الجامعة. فبعد أن كانت المدة أسبوعين أصبحت شهرا. واستطاع توفير آلات تصوير جديدة وزيادة سعة إيميل الطلبة وافتتاح مقهى صغير في المكتبة الخاصة بطلاب الإعلام والمسرح. أثبت لنا رئيسنا صحة قول الشاعر الإنجليزي جون درايدن بأنه "لا يجب أن ننخدع باللباس أو المظهر، فمن أراد البحث عن اللؤلؤ فليغص إلى الأعماق".

بدد رئيسنا انطباعنا المبكر. وحولنا من مناهضين لأسلوبه إلى مشجعين وداعمين له بعد فترة وجيزة من توليه إدارة الجمعية الطلابية. فقد استثمر كل دقيقة خلال رئاسته لها في سبيل تحقيق تطلعاتنا وآمالنا العريضة. استطاع أن يأتي بما لم يأت به الأوائل بأعمال وليس أقوالا. انتهت مدة رئاسته للجمعية وهو يشاهد رفاقه الطلاب أكثر بهجة. يترددون على مكتبة الجامعة وهم يرسمون ابتسامة كبيرة على وجوههم. لن يكشهم بعد اليوم موظفو الأمن ويقولون لهم بصفاقة: "اجمعوا أغراضكم. سنغلق أبواب المكتبة بعد 10 دقائق". سيذهب بعد أن تخلص زملاؤه من الزحام الذي كانت تفرضه ساعات عمل المكتبة المحدودة سابقا. انتهت مدة رئاسته والطلاب الذين كانوا يسخرون ويتهكمون على كسله وملابسه يهتفون باسمه باسمين: "عاش الرئيس الأصلع!".

قد لا يشعر الكثيرون بالأثر الذي تركه الرئيس الأصلع على حياتي وزملائي الدراسية كوننا في المملكة لا نرتاد مكتباتنا الجامعية إلا من رحم الله. فهي مقفرة ليس فيها لا زرع ولا حرث. لا كتب تقيم الأود ولا وسائل تقنية تسد الجوع. فصارت مهجورة. معظم الطلاب لا يرتادونها إلا في فصولهم الأخيرة لاستكمال إجراءات إخلاء الطرف التي تستلزم المرور على المكتبة التي تعج بالغبار والضجر.

إن مكتبات ومختبرات الغرب الجامعية كانت ومازالت مصدر إلهام آلاف الطلاب الذين حققوا نجاحات لافتة على كافة الأصعدة. فمكتبة جامعة هارفارد شهدت الكثير من النقاشات بين مارك زوكربيرج، مؤسس الموقع الاجتماعي (فيس بوك)، وزميليه داستين موسكوفيتز وكريس هيوز. المكتبات هناك ليست مجرد رفوف تنام عليها أمهات الكتب بل محتويات ومواد تصل إليها وأنت في منزلك عبر صفحاتها الإلكترونية وأماكن واقعية وافتراضية للنقاش والتعارف بين الطلبة والاطلاع على أحدث الدوريات والمجلات المتخصصة والنادر توافرها في أي مكان آخر.

ويذهب الروائي الأمريكي، شيلبي فوت، إلى أبعد من ذلك في وصف المكتبة الجامعية قائلا: "إن الكليات الكبيرة والمباني الشاهقة التي تحيط بالمكتبة لم تنشأ إلا لحراستها وتسليتها. فهي المكان الذي تهفو إليه القلوب".

فمكتبة بودلين بجامعة أكسفورد البريطانية التي تأسست عام 1602 تضم بين أرجائها أكثر من 11 مليون كتاب تقليدي ونحو 5 ملايين كتاب إلكتروني ويعمل فيها نحو 430 موظفا. يقال في بريطانيا إن الباحث الذي لم يزرها أو المكتبات التسع المرتبطة بها ليس باحثا بسبب أهمية المواد التي تكتنزها. والطريف أنه يتوجب عند زيارتها تلاوة تعهد شفهي بالمحافظة على مقتنياتها وموادها.

إننا شعب محروم من المكتبات الجامعية وآثارها العظيمة على الفرد والمجتمع. محرومون من الانتخاب في جامعاتنا!