جميعنا شاهد العاصفة التي أحدثتها أول ثلاثة حلقات من مسلسل (سيلفي) بطولة ناصر القصبي مع الكاتب خلف الحربي والمخرج أوس الشرقي الذي لم ير فيه أعداؤه غير أنه "شيعي" بحسب كلامهم، متجاهلين إبداع 25 عاما أخرج فيها سلسلة من البرامج السياسية الكوميدية الهادفة التي كان لها تأثير كبير على الشارع العراقي، مثل مسلسل (الحكومات) أول مسلسل كوميدي سياسي في تاريخ العراق حيث انتقد فيه الاحتلال الأميركي للعراق والأحزاب السياسية الكثيرة التي تكالبت على حكم العراق بعد الاحتلال، وقام بفضح سرقات الحكومة في ذلك الوقت، حصل على جائزة أفضل إنتاج عربي والجائزة الذهبية كأفضل محتوى لعام 2012.
فما الذي باعتقادكم حدث من أجل أن يتم التعامل مع هذه الحلقات الثلاث بكل هذا التطرف؟!
ماذا فعلوا؟ جميع ما شوهد في هذه الحلقات سبق وأن شاهدناه واقعا أمام أعين الجميع وفي متناول الجميع، سواء في القنوات الإخبارية أو اليوتيوب أو في قنوات التواصل الاجتماعي، إذاً ما الذي حدث؟
إنها الدراما يا سادة، وتعريفها أنها نوع من النصوص الأدبية التي تؤدى تمثيلا في المسرح أو السينما أو التلفزيون، حيث تعتبر الدكتورة مروة محمود جمال الدين "أستاذ بالمعهد العالي لتكنولوجيا الإعلام CIC" الدراما من الأدوات المؤثرة في عملية التنشئة الاجتماعية وهي الوظيفة المرتبطة بنقل التراث، ودعم الروابط من خلال ما تعرضه من العادات والتقاليد والأعراف والنظم التي تحكم المجتمعات، كما تعد الدراما من الأدوات المؤثرة في إحداث التغيير الاجتماعي والارتقاء بالمجتمعات عن طريق قيامها بدور مهم في رفع وعي الأفراد نحو طموحاتهم وتغيير أسلوب حياتهم للأفضل ومسايرة مستحدثات العصر".
كما تقول المخرجة إنعام محمد "إن الدراما لها تأثير على أذهان المشاهدين، وتقوم بدور لا تقوم به المدرسة أو الأسرة".
أهذا هو سر رفض المتشددين للسينما في السعودية وعدم رغبتهم في إحداث أي تغيير اجتماعي ينزع منهم الولاية؟ هل أستطيع القول "وجدتها وجدتها"؟
دائماً ما كنت أتسائل عن سبب منطقي يجعل من السينما بعبعا، هل هو "الاختلاط"؟ لكنه ليس سببا، إذ يمكننا أن نطوع السينما حسب خصوصيتنا فيصبح لدينا قسم رجال وقسم نساء كسائر دوائر المجتمع.
إذا ليس الاختلاط، فهل هو الخوف من عرض أفلام تحتوي على مشاهد خادشة للحياء العام؟
لكنه ليس سببا أيضا، فلهم في الخطوط السعودية قدوة، فهي أول من قام بنقل عملية التغبيش التي كانت تحدث للصور في المجلات وما زالت تحدث للإعلانات إلى الصور المتحركة!
إذاً هو الظلام لا محالة؟ لكنه أيضاً ليس بسبب، يمكننا كذلك العرض في وجود إضاءة، دول العالم تعرض في فصل الصيف الأفلام في الحدائق أو الأماكن العامة المفتوحة المضاءة!
فما السبب إذن؟ في كل مرة أفكر في الموضوع أو أسأل عنه أقف عاجزة عن إعطاء سبب لعدم وجود سينما أو أي نوع من الدراما سواء عرضا أو تعليما!
وأتساءل أيضا عن العشرين طالبا الذين أرسلوا في عهد الملك سعود -طيب الله ثراه- سنة 1961، لدراسة فن التصوير في إنجلترا وإيطاليا وألمانيا، وعشرة طلاب أيضا ابتعثوا لأميركا لدراسة فن التصوير والإخراج السينمائي، وستة طلاب لدراسة التمثيل، وعشرين طالبا إلى معهد الموسيقى العالي، ماذا حل بهم؟
وعلى رأي فهد الدغيثر في تغريدته: "إذا حلقتان هزتا المشاعر عن داعش، ماذا لو كان لدينا مسرح ومدينة إنتاج سينمائي، وقاعات للسينما بكل مؤثراتها؟ من يقف ضد ذلك"؟