أثار مسلسل (سيلفي) الكثير من الجدل منذ بدء حلقاته الأولى بطريقة تستثير الملاحظة، على الرغم من أن حدوث الجدل وتنافر الرأي حول قضية ما يعتبر أمرا صحيا ويتكرر في أكثر المواقف، لكننا من خلال هذا الموضوع نستطيع أن نحدد مدى قابلية الناس وتأثرهم الإيجابي، تفاعلا مع الطريقة التي ينتقد فيها بعض الدعاة السلوكيات المتطرفة التي يمارسها المتشددون في الدين، وننظر من جهة أخرى إلى تفاعلهم السلبي وأسباب رفضهم لفكرة النقد بتهويل المواقف وتأويل مقاصدها بشكل يتجاوز المعقول إذا قُدمت الفكرة النقدية في قالب فني.
لا شك أن تحديد طبيعة الفن وماهيته يعود إلى اختلاف البيئات ومدى تفاعل أفراد المجتمع مع فكرته والقناعة برسالته، كذلك تقبله كأداة تعبيرية يتم من خلالها استعراض قضايا الواقع ومعالجتها، لا سيما إذا قدم دوره الفاعل بالإسهام في تغيير الواقع، فضلا عن كونه تعبيرا وانعكاسا عن صورة المجتمع، فالفن أسلوب محاكاة لعالم المثل وطريقة للبحث عن صناعة ما هو أفضل، إلا أن هناك فكرة ذهنية تجعل الفن على نقيض الدين وتصوره في خصام معه، من هنا نلتمس التغاضي المتعمد للرسالة التي يقدمها الفن وخصوصا في مثل هذا الموقف، إضافة إلى إهمال إسهام الأداء الفني في دعمه لفكرة النقد التي يقدمها بعض الدعاة والمصلحين في سبيل إصلاح الفكر والسلوك الاجتماعي.
توجد إشكالية في نظرة البعض إلى رموز العمل الفني يمكن وصفها على أساس أنها صورة ذهنية بحاجة إلى استئصال جراحي، كونها دون الموضوعية تهمل الرسالة الفنية وتتعامل مع الشخوص الذين يقدمونها ويأتي الحكم برفض المحتوى أو قبوله بناء على طريقتهم ومدى تقبلهم لمن يؤديه، ومن جانب مهم فلا ننس أن الترويج لرفض الفن ورموزه، وعدم تقبل الأدوار التي يقومون بها جاء بفعل تشويه صورته من جانب المتطرفين الذي يرفضون تعرية أفكارهم، ويقفون بشكل ضدي إزاء النقاد والمفكرين والفنانين، ثم يصورون للعامة أنهم النموذج المثالي لتطبيق الدين وأن أي نقد لتصرفاتهم هو نقد للدين نفسه، فيما يشعرنا البعض أن للدين شكلا لا يمكن أن يكون صحيحا إلا من خلال فهمه الخاص.
إذا كان بعض الدعاة قاموا بنقد التطرف على طريقتهم، فإن الفن قام بالدور التكميلي لهذا الموقف وقدم النقد على طريقته في تجسيده للواقع وتقريب الصورة إلى ذهن المشاهد، ومن الجيد أن تتكافل جميع الوسائل لمحاربة التطرف، ولكن غياب هذا المفهوم يعكس قلة الوعي ويؤدي إلى المزيد من المشاحنات التي لا طائل منها.