لم يعد رمضان ذلك الزائر الذي كنا نترقبه قبل أشهر، وكنا نستعد له بالأنوار وإحياء لياليه بالتهجد والزيارات والتواصل الرحَمْي، ذاك الذي فقدانه وبكل أسف مع السباق المحموم الذي تغير مع السّنين الأخيرة لصرف روحانيته إلى عرض عام لأفضل مسلسل رمضاني أو برنامج نقضي معه السهرة.

إن المقارنة بين الماضي والحاضر مقارنة يصعب تحليل مسبباتها، لكنني أدرك أن التغير الزمني والنفسي أسهم بلا شك في صرف رمضان عن رسالته الأهم وهي العبادة وتفقد الأقارب والأرحام، وكثرة الصدقات والسهرات الجماعية التي كانت تقام في مصابيح البيوت منذ زمن مضى. هذا بلا شك فقدناه مع المدنية الحديثة، ولعبت فيه وسائل الإعلام دورها الفاعل في إخراج رمضان عن صورته الحقيقية التي أرادها الله -سبحانه وتعالى- من عبادة "قراءة وتلاوة وتهجد وتراويح وصدقات" وغير ذلك مما يؤلف القلوب ويوجد الدعاء بالقبول تجاه الواحد الدّيان سبحانه وتعالى.

إن الحياة هي الحياة واليوم بساعاته، والليل بنجومه لم يتغير على مرّ الدهور لكن النفوس وعادات وتقاليد الناس، بل تقليدهم لغيرهم نقل رمضان من الروحانية إلى اللهو وإضاعة ساعات العبادة فيما لا يعود بالخير على الإنسان المسلم.

كان الناس إلى عهد قريب، خصوصا في الديار المقدسة وقرى نجد وعسير، يحيون ليالي رمضان بإقامة العبادة في مساجدهم وفق تقليد زكي، وذلك بحضور التراويح كاملة والتهجد ويقضون ما بينهما في جلسات ذكريات وزيارات تعود بتعميق الحب والولاء لبعضهم، أما اليوم فإنك ترى الناس مع توسع الأسواق وكثرة النعم وكثرة المصابيح والمقاهي تضيع أوقاتهم في تجول لا يعود بفائدة تذكر على الإنسان الذي ينتظر رمضان ليجدد فيه العهد مع الله، بل تذهب كلها مع الأسف في استراحات ومتنزهات، إلا من رحم ربك، فيضيع وقت الصائم ليله ونهاره في النوم واللّهو.

إن المقارنة بين جيل الأمس وجيل اليوم، وما يحدث فيها إنها تعطي الإنسان علامة استفهام لا تحمل معها إجابة لماذا يحدث هذا؟ هل تغير الليل والنهار أم تغيرت نفوس الناس وضاقت بهم الأرض بما رحُبْت، ولم يعد هناك مكان للاستمتاع البريء بليالي رمضان الروحانية، أين هؤلاء من زمن مضى كان الصائم يقضي نهاره في المساجد وقلبه معلق بكتاب الله، وليله في زيارات عائلية يصل فيها رحمه، أما اليوم فقد غابت بعض هذه التقاليد ولم نعود أبناءنا عليها، ولم نشرح لهم قيمة العبادة وقيمة روحانية رمضان، فأصبح رمضان كسائر الأيام يمضيه الواحد وبكل أسف في نوم يقطع به نهاره وسهر ولهو يمضي به ليله حتى يكتمل الشهر ويراجع حساباته، فلا يجد إلا أياما تصرمت وليالي غادرت ثم لا نلبث أن يهلّ العيد، والسعيد من وعظ بغيره.

فلنتنبه لرمضان فهو مدرسة تمر علينا مرة واحدة كل عام، ولنجعلها مدرسة روحانية نتعلم فيها الصبر والرحمة والأخوة والتلاقي على المحبة والتصّافي بين المتقاطعين، خاصة الأقارب إننا مطالبون بتجديد العهد مع الله -عز وجل- ومع أنفسنا، فهل نراجع فيها مديونيات أعمالنا السنوية أتمنى ذلك؟