يحاول البعض اعتبار مسارات الأزمة السورية واليمنية واحدة، وذلك ربما بسبب التواجد الإيراني في كلتا الساحتين، وهذا غير صحيح لأن إيران متورّطة بالفوضى في كلّ المجتمعات المتواجدة فيها، من العراق إلى لبنان إلى اليمن وسورية وغزة، وصحيح أنّها تستثمر في تفكّك المجتمعات العربية، فهذا أمر واضح وجليّ، لكن ذلك لا يعني أنّ الساحات متشابهة.

المشهد السوري ومن بدايته كان واضحاً، ألا وهو الذهاب إلى الخيار العسكري المسلّح ودخول إيران مباشرة في النزاع عبر الحرس الإيراني وحزب الله، ومنذ الساعات الأولى وعلى أساس حسم الأمر خلال أيّام، أو على الأقل هذا ما كان يقال آنذاك، وبدأت إيران في إيجاد الأعذار لتدخّلها، مرّةً دعماً للممانعة وأخرى لحماية المقامات، وإلى ما هنالك من أسباب متعدّدة ولكن النتيجة تبقى واحدة، وهي أنّ إيران أرادت ومنذ البداية تحويل سورية إلى ساحة نزاع إقليمية ودولية.

ونستطيع أن نؤكّد أنّها نجحت في ذلك، إذ خسر الشعب السوري أمنه واستقراره، وهجر ما يقارب نصف الشعب السوري، وقتل ما يزيد على المئتي ألف قتيل، وتقريباَ دمّرت كل سورية باستثناء المناطق العلويّة على الساحل السوري ومعظم دمشق إلى حد بعيد، وهذه المناطق هي التي يتمّ الحديث عنها الآن بالدولة العلوية، وعلى مساحة عشرين بالمئة من مساحة سورية.

نفهم من هذا الدمار أنّ الخطة كانت تدمير تلك المناطق التي سيغادرها النظام وتحويلها إلى ساحات قتال وتفكيك وحدتها على أساس مذهبي وطائفي، ومساعدة التطرّف في السيطرة عليها كما حصل في أكثر من مكان، وكان آخرها مدينة (تدمر) التاريخية؛ وذلك لأهميّتها لدى المجتمع الدولي وتصوير البديل الوحيد لنظام الأسد هو التطرّف والإرهاب. وهناك تحرّكات انشقاقية في أكثر من منطقة وعلى أساس عرقيّ وقوميّ كالأكراد في الشمال، ومذهبيّ كالدروز في الجنوب.

لهذه الأسباب ليست هناك أوجه شبه بين ما يجري في اليمن وما جرى في سورية، لأنّ الأزمة اليمنية ومنذ بدايتها وجدت من يحتضنها ويؤمّن مساراتها السياسية ويبعدها عن النزاع المسلّح. وكان ذلك عبر المبادرة الخليجية التي أنتجت مرحلة انتقالية وأنقذت الشرعية اليمنية المتمثّلة في البرلمان والرئاسة والحكومة، والتي كانت نتيجةً لما يُعرف بالحوار الوطني اليمني. واستطاعت هذه الشرعية أن تحافظ على الوحدة اليمنيّة وإبعاد شبح العنف المسلّح عن العملية الانتقالية، كما حصل في سورية وكما يحصل في ليبيا.

جاء الانقلاب على الشرعية اليمنية بمثابة خروج عن الوحدة الوطنية المتمثّلة في شرعية الرئيس اليمنيّ. وكان التدخّل العسكري لدول التحالف من أجل حماية الشرعية اليمنية، وهذا ما ساعد المجتمع الدولي على اتخاذ القرارات الدولية الحافظة للوحدة اليمنية والرافضة للعملية الانقلابية، وأهمّها القرار 2216 الذي دعي على أساسه إلى جنيف واحد. وهذه المرحلة الأولى من الحوار اليمنيّ بعد عاصفة الحزم، وهي لا تشبه جنيف1 السورية.

تحاول إيران اعتبار المسارات متشابهة لإرضاء غرورها، لأنّها تقاتل بالشعوب العربية ووحدتها واستقرارها ومستقبل أولادها، مع الأسف الشديد، وربما لو توقّفنا قليلاً عند الذكرى الأولى لسيطرة داعش على الموصل، والتي صادفت قبل أيام، لوجدنا كيف أنّ إيران قد تعاملت مع العراق أيضاً كساحة نزاع رغم الأكثرية الموصوفة للعرب الشيعة في ذلك البلد العزيز والعريق، وحوّلته إلى بؤرة موصوفة بالفساد، ولم تدعم قيام الدولة. وبعد اثني عشر عاماً من السيطرة المباشرة على العراق سقط ذلك البلد العزيز خلال عشر ساعات بأيدي الإرهاب والتطرّف.

إن ما يحدث في كل تلك الساحات العربية أمرٌ كارثيّ بكلّ المعايير، ورغم اختلاف الموضوعات إلاّ أنّنا لا نستطيع ألا نعتبر أنّ هناك وباء فتّاكا يجتاح دولنا ومجتمعاتنا ومنطقتنا، وأنّه استنزفنا حتى الآن في طاقاتنا البشرية والمادية، ولا يزال يهدّد مستقبلنا، وأنّ الخروج من آثاره يحتاج إلى سنوات طويلة وإرادات طيبة ونخب حقيقيّة قادرة على أن توصل ما انقطع بين الأخ وأخيه، وتعيد لهذه الدول المدمّرة عمرانياً وبشرياً وظيفتها في الحفاظ على وحدتها ومؤسساتها، وتعمل على إيجاد برامج إنمائية سريعة تلاقي الإرادات الطيبة من دول الجوار العربي والأصدقاء.

هذا الأمر لا يزال ممكناً في اليمن بسبب الالتزام بـ(إعادة الأمل) من قبل دول التحالف العربي، لكنّه غير متوفّر في سورية والعراق بعد أن بلغت النزاعات حدّ الفراق بين أبناء البلد الواحد والشعب الواحد. وقد بدأت ملامح رسم كيانات فاشلة لحطام دول فاشلة أصلاً بكلّ المقاييس. ونستطيع أن نقول اليمن السعيد بالجوار الخليجي أوّلاً والمبادرة الخليجية ثانياً، ثم بعاصفة الحزم إلى إعادة الأمل، وكلّها مبادرات أخويّة قادرة على إحداث الكثير في عملية إنقاذ اليمن من نفسه. لكنّ الأمر في سورية والعراق عسير جدّاً ولا يشبه اليمن في شيء.