حتى لو سألت غير المسلم عن شهر رمضان لأجابك هو شهر يرى فيه المسلمون الإكثار من عمل الخير والتقرب إلى الله.
هذه هي حقيقة شهر رمضان، التي يدركها كل من برأسه عقل، أما لدى كثير منّا نحن العرب المسلمين فالأمر مختلف جدا، فصيام الشهر عمل قائم ولا جدال فيه، لكن هل الأمر معني بالصوم عن الطعام والشراب، فقط ما نلحظه الآن وعبر زمننا الجاري أن هناك فضائل وعبادات مطموسة ومغيبة إلا من رحم ربي.. فلدى كثيرين هو شهر اللهو والمتع سواء بالطعام أو الفكاهة والسهر، فخلاله حدّث ولا حرج، فالإعلانات الخاصة بما تشتهي الأنفس من طعام تحضر وبقوة خلال هذا الشهر الكريم، ناهيك عن أن المسلسلات الكوميدية التافهة الساقطة المكلفة جدا أيضا خلاله، ولدى بعض العرب والمسلمين خيام الرقص وما يصاحبها من عادات وأخلاق سيئة تكون أثناءه.
يحضر رمضان ونتساءل: هل هو رمضان الذي نعرفه؟ بل نقفز إلى سؤال أهم فحواه: ما الذي نريده من رمضان وماذا يريد منّا؟ الآن نحن أردناه شهرا لاستعراض أشهى الطعام ويا ليتنا اكتفينا بذلك بل نتسابق لجعله ميدانا للتباري على عرض المسخرة والابتذال ومحاولة الإضحاك ولو على حساب المبادئ والأخلاقيات.
لننتظر كي لا نظلم المسلمين جميعا فقد أثرت قبل كتابة هذه السطور أن أقرأ عن شأن رمضان في بلاد المسلمين والبلاد غير المسلمة التي يتواجد بها مسلمون، وأصدقكم القول أن جعل رمضان محل ترفيه وإسقاط عبثي مخل هو شأن لبلاد العرب ليس إلا؟.. قرأت وسألت واطلعت ؟ لتكون الإجابة مفرحة بقدر ما هي مؤلمة لواقعنا كعرب مسلمين، هي مفرحة لأن أولئك المسلمين من غير العرب أو من العرب الذين يتواجدون في البلدان غير المسلمة يرون في الشهر الفضيل فرص للعبادة والتقرب، هم يجدون فيه متسعا لمناجاة الخالق، هم يقتربون أكثر من القرآن، فيه فرص لارتياد المساجد وضبط النفس لتتواءم مع الحكمة من الصوم، بعيدون كل البعد عن إسقاطات التلفزيونات، وجرائم الخيام التي أطلق عليها كيدا وجورا الخيام الرمضانية، يبحثون خلاله عن الاستزادة من الخير، وبلاد العرب تجد فيه مزيدا من التخمة والشراهة في السهر والضحك.
المهم في القول أننا أسرفنا على أنفسنا وبلغنا حدا أننا لم نعد نضع الشهر الفضيل في منزلته التي يستحقها في أنفسنا ولدى الآخرين، نوغل في الملذات سواء كانت روحانية أو غذائية، مخالفين المنهج الإلهي العظيم في كيفية التعامل مع هذا الشهر الكريم، التي عبر عنها القرآن الكريم في كثير من السور والآيات، مثل قوله تعالى: "شهر رمضان الذي نزل فيه القرآن هدى للناس وبينّات من الهدى والفرقان"، وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين "رواه البخاري ومسلم". فهل بعد هذا التوجيه نبحث عن الملذات التلفزيونية العفنة والموائد الشرهة؟!
غفر الله لنا ولكم وتقبل منّا ومنكم.