رفض مجلس الشورى السعودي قبل أيام -بالأغلبية- ثلاثة مقترحات لتشريع نظام للوحدة الوطنية، ويبدو أن مبرر الرفض لدى بعض الأعضاء جاء من جانبين: الأول، هو "مسمى" المشروع الذي يفترض أن يختص بنبذ الكراهية والعنصرية لا بالوحدة الوطنية، والثاني: هو اعتبار بعض الأعضاء هذا المشروع بمثابة اعتداء على النظام الأساسي للحكم الذي كفل الوحدة الوطنية، ورغم أن الملاحظات على أي قانون واردة إلا أن رفضه يجب ألا يكون نهائيا ومطلقا إذا كان في الصالح العام، وبالتالي يجب أن يطرح المشروع للتصويت من جديد بعد التعديلات اللازمة، ويقدم كمشروع جديد بمسمى جديد بعد نشر مسودته في الصحافة المحلية للإفادة من ملاحظات المواطنين المهتمين حوله، لأنه يخص كل مواطن لا أعضاء الشورى فحسب.
ولمجلس الشورى سابقة في تسويف التصويت على المشروعات المتعلقة بالمصلحة الوطنية العليا، كما حدث في مشروع نظام "مكافحة التحرش" الذي بقي في المجلس ثلاث سنوات بين شد وجذب، ولم يتم التصويت عليه حتى اليوم بحجة توسيع المشروع ليشمل حماية العرض، بما يمثل حالة من الانفصال بين المجلس والمجتمع الذي لا يعرف ما يجري تحت القبة؛ لأن الجلسات لا تنقل ببث مباشر عبر وسائل التلفزة المحلية، وهذا ما نطالب به منذ أكثر من عشر سنوات، فالمجلس ليس منشأة نووية، ولا صندوقا أسود لا يفتح إلا في حالات الكوارث، بل إنه لم يوضع إلا ليكون معبرا عن المواطن الذي يفترض أن يعرف ما يدور تحت قبته دون عناء، ولذلك ربما كان سبب أزمة الثقة بين المجلس والمواطن هي تلك السرية والتكتم والتعتيم الذي يحيط بجلساته، مما كوّن صورة نمطية مجتمعية عن المجلس بأنه "لا يحل ولا يربط"، وهي نسبيا صحيحة في ظل عدم وجود صلاحيات للمجلس من جهة، وعدم وجود انتخابات من جهة أخرى.
فغالبية أعضاء مجلس الشورى هم من الذين خدموا لفترات طويلة جدا في مؤسسات حكومية معينة؛ مما جعل كثيرا منهم يعيد نمط السلوك الحكومي في قراراته، في حين أن الانتماء يفترض أن يكون للمجتمع، للناس، للأفراد الذين ينتظرون من المجلس أن يعبر عن طموحاتهم، لتقديمها إلى الجهة السياسية العليا المتمثلة في مجلس الوزراء الذي لديه الصلاحية في قبول وإقرار أو رفض مثل هذه الأنظمة أو إعادتها إلى مجلس الشورى من جديد لدراستها، مما يعني أن المجلس ليس سوى حلقة وصل بين السلطة والمجتمع، ومع ذلك نجده أحيانا عاجزا عن القيام بهذه المهمة، فحتى الآن لم يؤثر "الشورى" في تغيير قناعات الرأي العام حول صورته النمطية بأنه مع المواطن لا ضده، على الرغم من وجود بعض الأعضاء الفاعلين في التوصيات الجيدة إلا أنهم قلة، فمن أعضائه من يبقى فيه 12 سنة عضوا دون أن يعرف اسمه إلا بعد خروجه منه!
"الشورى" وأعضاؤه اليوم في حالة اختبار أمام الوطن والمواطن، بانتظار تدشينه مرحلة جديدة من الثقة المتبادلة، يكون فيها ممثلا فعليا للمواطنين في كافة انتماءاتهم ومناطقهم، غير هذا التمثيل في وجود وسائل التواصل الاجتماعي أصبح على المحك، فلم يعد التعبير عن الرأي بالمجلس وغيره حكرا على وسائل الإعلام التقليدية، ولذلك فإن معرفة المواطن المسبقة لبعض القوانين المهمة التي سيصوت عليها المجلس ضرورة قصوى؛ لأنها تخصه بالدرجة الأولى ولا تخص فقط من هم داخل قبة المجلس، فالمجتمع حين يتساءل عن مبررات رفض القوانين التي تخص مصلحته وتنظيم العلاقات بين أفراده، يتبادر إلى ذهنه الشك والريبة بأن ثمة قوى داخل المجلس ضد هذه المصلحة، وهذا الأمر لا يتضح سوى بنشر مسودات القوانين، ومعرفة مبررات الرفض من خلال بثّ جلسات "الشورى" على الهواء مباشرة، وهذا يستلزم أيضا تمثيل المواطن مباشرة في المجلس من خلال لجنة وطنية "شعبية" ليست ضمن المجلس، تكون مهمتها إبداء الرأي والمشورة في القوانين المجتمعية المطروحة للتصويت، قياسا بمؤشرات الرأي العام حولها.