قبل عشرين سنة وفي إحدى حصص مادة التاريخ في الصف الرابع الابتدائي سألنا المعلم: "تعرفون شيئا عن الأمير سعود الفيصل؟"، كنت كغيري من الطلبة لا نعرف كثيراً عنه لقلة معرفتنا وخبرتنا في الحياة.

لم يكمل المعلم شرح درس ذلك اليوم وبدأ يحدثنا عن الأمير، أعجبنا كثيراً بشخصيته، وأذكر حينها أنه ركز على مهارتين أساسيتين تميز بهما، إتقان عدة لغات وسرعة البديهة.

من ذلك الحين وأنا أستمتع بمتابعة تصريحاته وخطاباته، وأُعْجب كثيراً بتفانيه في عمله.

لقد كان -رحمه الله- قدوة للشباب في العديد من الأمور، من أهمها:

- مواصلة التعلم الذاتي: لقد ركز على بناء ذاته بعمق في تعلم العديد من اللغات، وكذلك القراءة والاطلاع في كافة العلوم في مجال اهتماماته وعمله وهواياته، فهو لم يجعل من كبر سنه أو كثرة مهامه عائقاً أمام الاستمرار في رحلة التعلم الذاتي.

- إتقان العمل: ويعد هذا من أهم أسباب نجاحه وقوة تأثيره، فقيمة الإتقان جسّدها الأمير في مسيرته خلال أربعة عقود، فلا مجال لديه للتراخي والكسل، كان واضح الهدف مركزاً بشكل أساسي على دقة الإنجاز.

- التخلي عن الأعذار: فبالرغم من الآلام التي التفت حول جسده في السنوات الأخيرة لم يتخذ منها عذراً لإيقاف عطائه أو عرقلة سيره. فمن الناس من إذا أصابه ألم بسيط اتخذ من ذلك عذراً أمام نفسه وغيره للتوقف عن العمل أو الدراسة ويعيش بذلك دور الضحية!

لقد كانت لتلك الصور - التي ظهر فيها الراحل وتأثير المرض واضح - أقوى من عشرات الكتب المحفزة على البذل رغم الألم.

- احترام الوقت: كثير ممن رافقه -رحمه الله- يذكرون العديد من القصص والمواقف التي تترجم حرصه الشديد على الوقت، فتلك مزية كل منجز وكل صاحب هدف ورؤية في الحياة، كان يقضي الساعات الطويلة في أداء مهامه وتحقيق أهدافه معتمداً على آلية متقنة لإدارة الوقت والاستفادة القصوى منه.

- التواضع: تلك القيمة العظيمة كانت نجماً ساطعاً أضاءت مسيرته، فبالرغم من شهرته العالمية ومنصبه ومكانته الاجتماعية وشجاعته وقوته فقد كان قدوة براقة ونموذجاً مبهراً للمسئول المتواضع، ولا أنسى كيف أنه طلب من صحيفة الوطن قبل فترة أن يرسلوا له إيميلات القراء - الذين شكروه وعبروا عن محبتهم له ولعطائه بعد إحدى العمليات التي أجريت له - لكي يرسل لهم جميعاً رسائل شكر وتقدير، وغيرها من المواقف التي ذكرها بعض من رافقه في العديد من المهام والزيارات الرسمية.

الملايين عبر وسائل التواصل الاجتماعي أظهروا وعبروا بكل تلقائية وعفوية عن احترامهم الشديد للراحل وتقديرهم الجم لحجم عطائه وحزنهم على فقده، ولعل رحيله في تلك الليلة المباركة علامة خير له -بإذن الله -.

كلي أمل أن يقوم المختصون بتوثيق حياة الراحل في كتاب يشمل صفاته الرائعة، ليكون منهجاً علميا وعمليا لكل طامح للنجاح وشغوف بالإنجاز ومحب للحياة.