قلة من الفنانين والفنانات من يربط أغلى ما يملك بمشروع فني.. وهذا ما فعلته القطرية هنادي الدرويش.

"حصة" مشروع فني، اختارت مفردة "البطّولة"، وهي بطّولتها التي ترتديها الأم في الواقع، ويطلق عليها البعض "البرقع"، فالبطّولة أو هذه المفردة في تجربتها تعبّر عن وجه الأم، ولها دلالة على وجه المرأة القطرية التي هي جدّتها وأمها والتي هي جزء من هويتها القطرية، فتناولت الفكرة بشكل معاصر مركزة على مدى الارتباط ما بين المرأة والبيئة.

الدرويش التي تشارك في كثير من المعارض القطرية منذ 1992 تركز بقوة على تعزيز نقاط القوة في أعمالها، عبر إجادتها توظيف الكتلة اللونية بشكل واضح، ودعمها بمفهوم الرمز ليكون بوابة يلج من خلالها المتلقي إلى معالم العمل الفني، فحين نجد أن بعض الكتل اللونية تمتاز بالتعتيق أو التجاعيد من خلال ربط رمز كان يكمل سيمفونية قديمة كالبرقع أو بقايا من حرف الخط العربي أو جزء من زخارف فلكلور، فمن حيث لا يعلم المتلقي يجد ذاته الأخرى متتبعا نغمات اللوحة البصرية بإحساس اللون الدافئ الذي يراه جليا بأعمالها.

الرمز وارتباط الأصالة في منجزها التشكيلي يجبرنا على التأمل من القسمين الفني والعاطفي لدى الفنانة، الأول كالبرقع أو بقايا من حرف الخط العربي أو جزء من زخارف، والثاني هو الجانب العاطفي لدى الفنانة حين تقتفي آثار والدتها دون أن تعلم، فطبيعتها الأنثوية العاطفية تنقب بتراكمات الزمن عن أشياء توحي لها بالأمان، وهنا نستنتج أن التلقائية مهيمنة على اختيار الرمز باللوحة، ونستشهد هنا بنظرية الفلاسفة، ومنهم أرسطو حين ترجم إحساس الأمان بالرمز "كان هذا الاتجاه فعلا حاجزا منيعا في وجه التمادي في التفسير الرمزي، الذي اتجه نحو فرض المعنى الرمزي، أكثر من الشرح المبسط، وترتب على ذلك تجاهل العقل في مقابل الاحتفاظ بالروح الرمز".

وحول تجربتها تقول الدرويش "التراث جزء من هويتي، والإنسان بطبعه ابن بيئته، وكل فنان عندما يتناول الفن كدراسة في مراحل تعليمه يتطرّق بالتأكيد إلى مواضيع ترتبط بالطبيعة، ومع استمرار التجربة في البحث والتجريب تتطور وتتحول إلى مفردات خاصة به، يعمل على تطويرها شيئا فشيئا، ومع الوقت يقترب من المفردة وتقترب منه، ومن هنا تتبلور رؤيته الفنية".

وترى الدرويش أن استمرارية أي مشروع تعتمد على فكرة الفنان، فكلما كان الفنان في حوار دائم مع المفردة استطاع أن يبدع وأن يضيف عليها.

وتركز الدرويش التي ترتبط المفردة بشخصيتها، على تمني التطور إلى تجارب أخرى، فلكل فنان أعماقه الفيسيولوجية وانفعالاته النفسية التي تشكل الخلفية الخفية لكل الأعمال التشكيلية، ومن حيث لا تعلم الفنانة فإن إحساسها الدافئ وعمقها المعرفي الثقافي وارتباطها العاطفي بالفلكلور المكاني والإنساني هو الجمالية الكامنة بالفكرة، وهي النقطة المركزية لدائرة للوحة التشكيلية.

الدرويش تشغل حاليا منصب مدير إدارة الفنون البصرية بوزارة الثقافة في قطر، وشغلت منصب رئيس مجلس إدارة مركز إبداع الفتاة، وهي مصممة ومخرجة فنية للكتب المدرسية، وعضو بالجمعية القطرية للفنون التشكيلية، ونائب رئيس الجمعية القطرية للفنون التشكيلية سابقا، وشاركت في كثير من المعارض والورش الفنية داخل وخارج قطر، وأشرفت على معرض الفن التشكيلي القطري الثالث بباريس ضمن أنشطة الدولة مع منظمة اليونيسكو، ومعرض الفن القطري المعاصر بتركيا ضمن فعاليات وزارة الثقافة والفنون والتراث للسنة الثقافية 2015.