شكلت البديهة النادرة والذكاء الخارق والحكمة النافذة أبرز ما يلازم الأمير الراحل سعود الفيصل - رحمه الله - في رحلاته ومواقفه الرسمية بل في حياته بشكل عام، لتشهد له الأوساط السياسية جمعاء بأنه أستاذ الديبلوماسية وصاحب العزيمة التي لا تهزم، فضلا عن إيمانه ووطنيته وعروبته التي ترسم حدود العلاقة بكل ما يحيط بالمملكة العربية السعودية والأمتين العربية والإسلامية من مستجدات وأحداث برز فيها الفيصل فيصلا في الحق وخير ممثل ورسول لسياسة بلاده.

أتت هذه الكلمات على لسان سفير خادم الحرمين الشريفين لدى لبنان علي عواض عسيري، عندما تحدثت معه "الوطن" أمس وهو في "حزن عميق"، هذه الجملة التي كررها مرارا، متحدثا عن جوانب عديدة في شخصية الأمير سعود الفيصل، معتبرا إياه بصاحب البصمات العظيمة في سياسة المملكة العربية السعودية، وأحد راسمي سياستها على مدى العقود الأربعة الماضية.

وقال عسيري: "يحق لي الفخر بأن أقول إنني تتلمذت على يد المغفور له - بإذن الله - كما كان لي شرف العمل بجانبه سنوات عديدة في وزارة الخارجية"، مشيرا إلى أنه كان يتواصل معه منذ تسعة أيام، ولم يشعر في أي لحظة بأن الأمير سعود الفيصل كان يعاني من شيء، بل كان وضعه جيد، داعيا له بالرحمة، وموجها العزاء للوطن والمواطنين والأمتين العربية والإسلامية.

وأضاف عسيري، أن الأمير الراحل كان حريصا على عمله لحرصه على وطنه وأمته، مستشهدا بتواصله الدائم معه عندما كان سفيرا للمملكة في دولة باكستان، حيث قال إن الظروف التي مر بها العالم بعد أحدث 11 سبتمبر فرضت عليه التواصل المباشر مع الفيصل، وكان يجيبه ويتواصل معه في كل مرة، حتى أنه إذا كان منشغلا يعاود الاتصال به.ويأتي هذا الحرص من الأمير سعود الفيصل والحديث للعسيري للتأكد من أداء سفارة المملكة هناك والعلم بما يجري تنفيذه على أرض الواقع حيال المستجدات، والحرص على أن تنسجم جميع المهمات والأعمال مع سياسة المملكة وتوجهات القيادة الرشيدة، مبينا أن هذا الحرص لمسه من الأمير الراحل عندما كان يعمل سفيرا في باكستان ثم في لبنان.وذكر عسيري أن سيرة الراحل العطرة تعكس إخلاصه لقضايا الأمتين العربية والإسلامية خلال توليه منصب وزير الخارجية، مضيفا: "وخير شاهدا على ذلك مواقفه المتعددة في الساحتين الإقليمية والدولية على مر العقود الماضية".

وعن الجانب الإنساني في حياة الراحل، عاد عسيري بذاكرته إلى الوراء عندما كان الأمير سعود الفيصل في رحلة إلى باكستان بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث كانت الظروف الجوية صعبة، والأوضاع الأمنية في الفنادق غير مهيئة ما جعل عسيري يستقبله في منزله، ويقضي ليلة هناك، مشيرا إلى أن الفيصل عندما دخل إلى منزله تصرف بعفوية واحتضن أبناءه الصغار وأخذ يتحدث معهم بلغة الأب، واصفا الأمير الراحل بالنادر في كل شيء، الذي سيبقى في ذاكرته وقلبه ما دام حيا.