قبل شهر توقع التقرير الأخير للاتحاد الدولي للنقل الجوي "أياتا" أن تقوم شركات الطيران في عام 2015 بنقل 3.‏3 مليارات شخص و52 مليون طن من الشحن عبر 500 ألف مسار جوي و12 مليون رحلة جوية، مما يؤمن 58 مليون وظيفة عمل، ونقل بضائع تساوي قيمتها 8.‏6 تريليونات دولار أميركي. كما توقع التقرير أن تحقق شركات الطيران صافي ربح عالمي يصل إلى 18 مليار دولار أميركي خلال العام الجاري، بهامش ربح صاف نسبته 2?4?، أو أقل من 6 دولارات أميركية للراكب الواحد.

انخفاض هامش الربح أدى إلى تعثر العديد من شركات الطيران المتهالكة، ولجوء بعضها إلى فرض سياساتها الحمائية في أسواقها لخدمة مصالحها العاجزة عن المنافسة. خلال العام الجاري بدأت أميركا وأوروبا بتوجيه انتباهها لزيادة عدد شركات الطيران الناجحة في منطقة الشرق الأوسط عامة ودول الخليج خاصة، التي فاقت 79 شركة وتمتلك 1252 طائرة، مما أهلها لتحقيق نمو حقيقي خلال العام الماضي فاق 12% مقارنة بمعدل النمو العالمي الذي لم يتعد 5.7%.

النمو المرتفع لشركات النقل الجوي الخليجية أجج الاعتقاد الخاطئ لدى الشركات الأميركية بأن الناقلات الإماراتية والقطرية تستخدم الدعم الحكومي المحظور دوليا من خلال التمويل المباشر بمعايير تتنافى مع قواعد وأحكام النظام التجاري العالمي. وهذا ما دعا "بيل شوستر" رئيس لجنة النقل والبنية التحتية بمجلس النواب الأميركي إلى تقديم طلبه يوم الثلاثاء الماضي لحكومة الرئيس "باراك أوباما" لدراسة شكوى تحالف شركات الطيران الأميركية، المكون من "مجموعة دلتا" و"يونايتد كونتننتال" و"أميركان إيرلاينز"، الذي يزعم بأن شركات الطيران الإماراتية والقطرية تلقت دعما حكوميا محظورا، وغير عادل من دولتيها يزيد عن 42 مليار دولار أميركي، مما أدى إلى إلحاق الضرر الجسيم بشركات الطيران الأميركية في الأسواق العالمية.

هذه الخطوة تزامنت مع الإعلان الصادر في الأسبوع الماضي عن شركة "سكاي تراكس"، المتخصصة في تقييم 681 شركة طيران و725 مطارا حول العالم، الذي أكد على فوز 3 شركات خليجية بالمراكز المتقدمة ضمن قائمة أفضل 10 شركات طيران في العالم لعام 2014. وتصدرت شركة "كاثي باسيفيك" القائمة في المرتبة الأولى تلتها الخطوط الجوية القطرية، والخطوط الجوية السنغافورية، ثم طيران الإمارات، والخطوط الجوية التركية، تليها خطوط نيبون اليابانية، وجارودا الإندونيسية، ثم آسيانا، وطيران الاتحاد الإماراتية، بينما نالت لوفتهانزا الألمانية المرتبة العاشرة.

شركات الطيران الأميركية، التي بدأت في تسيير رحلاتها التجارية منذ عام 1914، تواجه اليوم تحديات اتفاقية الطيران المدني للأجواء المفتوحة المبرمة بين 191 دولة بمدينة "شيكاغو" في 7 ديسمبر 1944. ونتيجة للأزمة المالية، التي عصفت بالدول المتقدمة في عام 2008، تواجه شركات الطيران الأميركية اليوم منافسة قوية من الشركات الخليجية، التي حققت المركز الثالث في العام الماضي كأكثر شركات الطيران ربحية طبقا لتقرير مجلة "فلايت غلوبال". كما أوضح التقرير أن شركة طيران الإمارات احتلت المركز الأول كأسرع شركات الطيران نموا في العالم، والمركز الثالث في الربحية بمقدار 1.1 مليار دولار أميركي، إضافة إلى تحقيقها المركز الرابع عالميا في الأرباح التشغيلية والمركز الثامن في إجمالي العائدات.

من المفروض أن تقوم شركات الطيران الإماراتية والقطرية بتفنيد مزاعم الشركات الأميركية، وأن توضح في مذكراتها القانونية أنها تتبع في تمويل صفقات شرائها للطائرات الحديثة كافة المعايير التجارية النظامية. فالشركة الإماراتية مثلاً تستخدم أسلوب التأجير التشغيلي بنسبة 43%، إضافةً إلى التمويل التقليدي بنسبة 19%، وتضيف عليها برامج ائتمان الصادرات بنحو 25%، وما تبقى يتم تمويله من خلال السندات بنسبة 9% والصكوك أو التمويل الإسلامي بنسبة 4%.

ومن المفروض ألا تكتفي الشركات الخليجية فقط بموقف المدافع عن أساليب التمويل النظامية التي تنتهجها، بل من واجبها أن تكشف للعالم أنواع الدعم الحكومي المحظور دولياً الذي تنتهجه الدول المتقدمة في التمويل المباشر لصناعة طائراتها وتشغيل شركاتها، سواء كان هذا الدعم على شكل قروض أو منح مالية تجاوزت منذ عام 2008 أكثر من 73 مليار دولار في أمريكا و32 مليار يورو في أوروبا. وهذا أدى لاندلاع الحرب التجارية في أروقة منظمة التجارة العالمية بين شركة "بوينج" الأميركية وشركة "إيرباص" الأوروبية.

كما يتوجب على شركات الطيران الخليجية كشف حجم المبالغ الهائلة التي ضختها الدول في شركاتها العاملة بالنقل الجوي، سواء كان ذلك لتحفيزها على مواجهة المنافسة، كما تم لدى دعم اندماج شركتي "يونايتد" و"كونتينتال" الأميركيتين بمقدار 70 مليار دولار، أو لمواجهة خسائر الخطوط الفرنسية من خلال تقديم منح مادية فاقت 3.8 مليارات يورو خلال عامي 1993 و1994، أو للمساهمة في نفقات تشغيل الطائرات التي قدمتها الحكومة الألمانية في عام 1995 لشركة "لوفتهانزا" بمبلغ 800 مليون يورو، أو لزيادة عوائد المطارات من خلال الضرائب المفروضة على المسافرين في إيطاليا بقيمة 3 دولارات لكل مسافر.

ويجب ألا ننسى الدعم الحكومي الذي قدمته اليابان لشركة طيرانها في عام 2010 بقيمة 950 مليار ين ياباني من مؤسسات مالية حكومية، وما قامت به الحكومة الهندية خلال العام الماضي من إقرار خطة لضخ 11 مليار دولار أميركي لدعم شركة الخطوط الهندية ضمن صفقة مبرمة مع 14 بنكاً.

وقبل فوات الأوان، على شركات الطيران الخليجية أن تعد العدة لحروب الطيران التجاري مع الدول المتقدمة.