الوضاعة والنفاق، القبح وانعدام الضمير قد تأخذ شكلا متدينا أيضا! بماذا تغري الجماعات المتطرفة المراهقين والمرضى النفسيين؛ لينضموا إليها من أصقاع العالم؟
إنها توفر لهم أبشع ما في المخلوق البشري من غرائز الشر، لكن تحت غطاء البطولة والقداسة، تعطيهم المال والسلاح والسلطة والجنس والمكانة، تمكنهم من القتل والانتهاك والاستيلاء والسبي والاغتصاب والتعذيب، وباسم الله المقدس يغدو كل ذلك تحقيقا لهوس البطولة، الذي يسمونه الجهاد.
ما من طريق أقصر إلى استغلال إخفاق المؤسسات الرسمية، ولا الفشل الاجتماعي والأسري، مثل إقامة هذا الإغراء اللعين.
خطاب ديني يملك القدرة على الترويج لكمية مهولة من الوعود والأحلام والنقمة على العالم، يؤمن بها شاب بلا دور، تتلقفه جماعة متطرفة، ومن لا شيء، من حياة متأزمة وخالية من المعنى وإذا به – هذا الشاب أو الفتاة – يجد من يضعه في قلب الأهمية والغرائز والبطولة.
الإرهاب صنيعة الدول ونزاعاتها، والجماعات المتطرفة صنيعة الساسة والسياسات وابتكارها ورعايتها، بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا يمكن أن يبدأ أي حل في أي دولة إلا من السياسي، من الدولة نفسها.
القتل والطائفيات والاستبداد والقمع وحصار الحريات وشيوع الخطابات المحرضة والدموية لم تكن يوما ما مسؤولية الشعوب، ولا ذهبت إليها الشعوب من تلقاء نفسها.
نعم، الحل يبدأ من أن تأخذ الدولة مكانها في المساءلة والمسؤولية والنقد الذاتي والإصلاح، إن إقامة القوانين الصارمة وتجريم العنصريات بمختلف أشكالها، وعلى رأسها الطائفية، العدل والتنمية والاستقرار، والذهاب نحو مجتمع المؤسسات هو ما سيخلق فضاء صلبا ومتماسكا من المصير المشترك الذي هو الوطنية بمفهومها الحق لا الإنشائي.
في شأننا الداخلي.. وأنت تنظر إلى صورتي اللذين فجرا نفسيهما مؤخرا، في القديح والعنود، تشعر بالأسى. كان بالإمكان أن تكون لهما حياة أخرى ومصير أفضل، وتعرف أنهما لم يوديا بحياة المصلين المسالمين باختيارهما، هناك تركيبة كبيرة من الأسباب والمسؤولية الداخلية، لا يجب أن نختبئ أو نهرب ونلقيها كلها على "داعش" فقط، حتى وإن أعلنت عن تبنيها للعمليتين.
إن مواجهتنا لمشاكلنا هو أكثر الطرق شجاعة وفعالية لمواجهة "داعش" وأي عدوّ كان في الداخل أو الخارج. ليس في هذا إدانة لأحد، بل هي الجدية بتمامها في أن نقول ونفعل ما يجب.
يرحم الله الشهداء، جنودا ومواطنين، من ذهبت بأرواحهم غيلة الإرهاب والحرب، ولا بد من إلقاء تحية على السيدة كوثر الأربش، فقد كان ما قالته في بيانها لأجل البلاد، وعزاؤها لأم قاتل ابنها مؤثرا ومثالا كبيرا.