قبل أيام قليلة تلقيت رسالة إلكترونية من صديقي الإيطالي المقيم في نيويورك، كانت رسالة قصيرة ولكنها مفعمة بكثير من الحب والوفاء والمفاجأة، وشيء آخر جعلني أفكر فيه كثيرا.

رسالة "لويجي" كانت تتحدث عن خبر سعيد تلقاه هو وزوجته النرويجية "نينا" مؤخرا، إذ إنهما سيُرزقان بطفلهما الأول عما قريب، والرائع في الأمر أنه أرفق صورة للأشعة الصوتية للجنين، والأطرف من ذلك أنه أطلق عليه من الآن لقب: "الفايكنج الصغير"، عطفا على أصول أمه الإسكندنافية!

ولك أن تتصور أن الأب إيطالي عاش في "موناكو" الفرنسية والأم نرويجية، التقيا خلال دراستهما في لندن، ثم انتقلا للعيش سويا في "نيويورك"! أي تنوع إثني هذا وأي خلطة ثقافية تلك! هذا ما تبادر إلى ذهني خلال قراءتي الرسالة، وكيف أن شعوب أوروبا المختلفة تجاوزت معضلة الفروقات العرقية منذ عقود طويلة، وتساموا على جراحات الحروب المتتالية، ليصبحوا أُمما متقاربة بشكل لا يصدق، فأضحى التزاوج بين تلكم الجنسيات الخمسين أسهل من أي وقت مضى، فها هو صديقي الإيطالي يتحاور مع زوجته النرويجية باللغة الإنجليزية، ويكسب الحياة وسط ثلاث ثقافات متنوعة، دون أن يكون العرق أو الدين أو الجنسية عقبة في طريق حياتهم اليومية، كما هي حال مجتمعاتنا.

فالطفل القادم سيحمل ثلاث جنسيات في آن واحد، فضلا عن قدرته على الحديث بثلاث لغات متنوعة، وبالطبع هذا يكسبه تنوعا ثقافيا وانفتاحا اجتماعيا يندر أن تجده.

والحقيقة أنني كلما أعود وأتأمل رسالة "لويجي" أصطدم بواقعنا الاجتماعي، وهو السبب الذي دعاني إلى مشاركة هذه القصة معكم، فواقعنا ليس فقط لا يشجع على الزواج والانفتاح على الخارج، بل يضيق –أيضا- بالانفتاح على فئات اجتماعية أخرى من مجتمعنا! رغم كل هذا الانفتاح والتواصل الإعلامي، لكن الله وحده يعلم كم سيستغرق الأمر من سنوات وعقود حتى نصل إلى ذلكم "الفايكنج الصغير"!