مشكلتنا المجتمعية في المملكة تكمن في منظومة التسامح السائبة التي تندرج تحت طائلة كلمة "معليش"..

يسرق المسؤول..

ويرتشي الموظف..

ويجور القاضي..

ويبطش المتشدد..

وُيكَفّر المتطرف..

ويقصر موظف الخدمة..

وتهيمن المحسوبية..

وتبسط الواسطة نفوذها..

ويأخذ من لا يستحق مكان من يستحق..

ويأتي الآخر مكان المتقدم والتالي مكان الأول..

وهكذا نسير في مهمة لا حد لها، وتنحرف بوصلتنا في كثير من الإجراءات والأساليب عن الاتجاه الصحيح، وفي ظل كل هذا التخبط والخلط فإننا نرفع درجة التغاضي والتجاوز إلى حد "التطنيش" وفق درجة من التنازل عن الضبط والصرامة ومستعينين في مقابل كل هذا الإخلال بعبارتنا المتخاذلة "يا شيخ معليش"، وهكذا يستمرئ السارق ويتمادى المقصر والفاسد ويحرض العنصري والطائفي.

وكلما تمادى هذا التهاون تضرر المجتمع ودخل أهله تحت دائرة عدم الشعور بالمسؤولية الجمعية، وسيطرت الفردانية والشخصنة بسبب انقلاب المعادلة واختلال الميزان وتهتك نظام العقوبة، وفقده المهابة لأنه لا يطبق أو لأن الإجراءات تمر عبر الاستثناءات والتجاوزات والمجاملات الاجتماعية إما لاعتبارات القبلية أو المناطقية أو المذهبية أو بسبب صلات القرابة أو المعرفة أو تبعا للنفوذ المالي والاجتماعي على نحو لا يضع الجدارة والقدرة في اعتبارات الاختيار.

وبالتالي ومن خلال هذا المسار غير المنطقي والمنحرف عن جادة التقييم الحق فإن مجتمعنا قد شكل بسبب ذلك كله مجموعة من التحزبات – التي تشكل في مجملها نتاجا طبيعيا لهذه "المعليشيات" التي تدمر في سيرها كل أسباب الانضباط، وتفقد النظام مهابته بسبب هذه الانتهاكات والاختراقات المتعددة التي لا تسمح "معليشيا" المجتمع ومحسوبياته القبلية والمناطقية والنفعية لها بالسير في الاتجاه الصحيح.

وحين أقول كل ما مضى فإنني أرجو وأتوقع أن يعالج مجتمعنا خلال السنوات القادمة هذه الإخلالات المجتمعية من خلال المستجدات الإدارية الجديدة التي جاءت على إثر إنشاء مجلسي الشؤون السياسية والأمنية، والشؤون الاقتصادية والتنمية، والتي أصبحت بمتابعتها الأسبوعية ومن خلال مواجهة التنفيذيين من مسؤولي الدولة فرصة للاستماع منهم بكل شفافية وصراحة عن العقبات والمآخذ ثم مباشرة حلحلة كل النواقص والتعثرات التي تعوق مسارات التنمية في هذا الوطن.

ويفوق تفاؤلي بهذين المجلسين المهمين الكلمة الصادقة والمباشرة التي قالها خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يحفظه الله، في حضرة مسؤولي هيئات النزاهة والفساد التي قطعت الحجة على الجميع حين ذكر ألا حصانة في هذا الوطن كائناً من كان وأن من حق كل مواطن أن يرفع دعواه أو شكواه تجاه أي مسؤول في مواجهة لأي تقصير يراه.

كيف لا أتفاءل؟ والملك يقول إنه شخصيا هو وولي العهد لا يتمتعان بأي حصانة تحول دون الاقتصاص من أي منهما أمام القضاء، لقد قطع ملكنا الهمام الطريق على كل متردد وشكاك وفتح الباب مشرعا للقضاء على المحسوبية والفساد وإعاقة التنمية والباقي علينا نحن المواطنين.