"وكأن شياطين الإنس لا تظهر إلا في ليالي رمضان"! هذه عبارة قالها أحد المعارف تعليقا على نوعية البرامج والمسلسلات التي بُثت وستُبث في شهر رمضان القادم، إذ لم يتبق على قدومه إلا أيام قليلة.

لا أعرف بأي شعور إيماني أو دافع ديني يمكن لأحدهم أن يستضيف شخصية مثل "باريس هلتون" وهي الشخصية الإعلامية الأميركية المعروفة بحياتها الصاخبة والغارقة بالملذات في برنامج منتج خصيصا لشهر رمضان، ولا يكتفى بذلك بل يروج للبرنامج عبر تشويق المشاهد كما تعتقد القناة بلقطات وعبارات إيحائية لا تناسب قدسية الشهر ومعانيه الدينية والروحانية!

لقد وصل إعلامنا الترفيهي لمستوى متقدم من الضرب بعرض الحائط بكل المفاهيم والمثل التي تربى عليها مجتمعنا الإسلامي، وعندما أقول إعلامنا فإني لا أقصد بذلك الرسمي منه والذي ما زال يحافظ على توازنه نوعا ما، بل أقصد به ذلك الإعلام المحسوب على مجتمعنا، والذي بنى مجده التجاري عبر ترويج قضايانا وتقديم إعلام "تيك أوي" يعمل على إشباع الغرائز وتوجيه العقول والسيطرة على القرارات الشرائية والاجتماعية.

كيف يمكن لأحد أن يبرر قيام قناة ببث مسلسل يتحدث عن "زنا المحارم" في شهر رمضان؟! لماذا في رمضان بالتحديد، ولماذا يتم إنتاج هذا الكم الهائل من المسلسلات الهابطة التي تحول كومبارسات التمثيل من الجنسين إلى أبطال أعمال تتناول مواضيع الخيانة الزوجية والاحتيال والهيمنة الاجتماعية، في حين كان الأجدر بهم أن يعملوا على إنتاج برامج ومسلسلات تروج في المقام الأساس لمفاهيم وقصص وأحداث تنفع الفرد والمجتمع على وجه العموم، تماما كما كان يحدث في الماضي حينما كنا ننتظر عملا تاريخيا أو فانتازيا واحدا يجمع في أحداثه الخيال والفكرة والمنفعة.

لست مع نظرية المؤامرة، ولكني في الوقت ذاته أعلم علم اليقين أن من يحرك أجندات الإعلام المرئي الفضائي هم مجموعة من تايكونات الإعلان الذين يسعون إلى جني أكبر قدر ممكن من الدخل الإعلاني عبر بث أعمال تلفزيونية تخاطب الشهوات والعواطف، فبالنسبة لهؤلاء لا قيمة للإعلام ما لم يكن مصدرا للمال، والمواضيع لا قيمة لها ما لم تكن تغري الإنسان وتحاكي نقاط ضعفه، فالسيطرة على انتباهه تجذب المعلن وبالتالي يتحقق الهدف الأساس.

لا أطالب بلجنة شرعية أو رقابية تختار ما يبث على تلك القنوات، ولكني أطالب أن يخاف أصحاب تلك القنوات الله فيما تبثه قنواتهم، فتسليمك أمر القناة لمن لا يخاف الله ويعبد المال لن يعفيك من حقيقة أنك مع الوقت ستصبح مثله.