يعد شهر رمضان موسما لتهافت المسلسلات والعروض الدرامية من شركات الإنتاج التي تضخ الكم الهائل من أعمالها، وتتنافس في عرضها على مختلف القنوات التلفزيونية، فيما أن التركيز على محتوى العمل الدرامي في حاجة إلى جهد ووقت في دراسته وتحليله، إلا أنه يمكن بشكل عام أن نقيم المحتوى والرسائل التي يقدمها عمل ما، وقياس أوجه سلبياته وإيجابياته، وماهية الأفكار التي يمكنه تمريرها إلى وعي المتلقي، وعلى ذلك يقاس الاتجاه الذي يتضمن الآراء والمواقف التي تشكلت لدى الشباب نحو قضايا الحياة وأنماطها المكتسبة ثقافيا نتيجة التأثير.

نلاحظ أن أساليب التشويق والإثارة أخذت قالبا مختلفا في الآونة الأخيرة، كنوع من التجديد وكطريقة للخروج من الأنماط التقليدية، ولكنها تبالغ بشكل مخيف في تعرية المجتمعات العربية من قيمها، والتركيز على إبراز أساليب الجريمة والخيانة والعنف وسيطرتها على الحياة العامة، ما أدى إلى أن بعض الأعمال أخذت تشكل هوية المجتمعات في رأي المتلقي، لتعكس انطباعا ناتجا من صورة ذهنية يحددها العمل الدرامي الذي انعكس عنها، فضلا عن تزايد الأعمال التي صمم إنتاجها بناء على مزيج متجانس من الشخصيات متعددة الجنسية، كتعبير عن هوية قومية وعربية.

هنالك كثير من الأعمال التي تثير الرأي النقدي بعد كل موسم رمضاني، ولكن هذه الأفكار لا تزال مستمرة في صدام المجتمعات، فضلا عن أنها تطرح الصورة وتهمل ما يتوجب غرسه في ثقافة المشاهد، فنلتمس أن أكثر العروض إما أن تستهلك صور الأنين والشكوى وتعثر العلاقات الإنسانية وتكريس الضعف، وإما الجرأة في عرض المشاهد والإيحاءات التي تلامس الجانب المظلم والخفي من حياة الفرد الشخصية، وتبرز دور البيئة المتحفظة أو الطبقية في انتهاج الفرد ولجوئه إلى السلوك الخاطئ، من أجل تحقيق الذات تحت غطاء الفضيلة المزعومة في ظل سيطرة قوانين الحياة الاجتماعية وتضييقها على حياة الفرد، بينما لا نجد الجدوى من إبرازها في ذهن المشاهد، فهي تحاكي الأفعال وأساليبها باستثارتها نفسيا دون توجيه، والفرد هنا ضحية الوقوع في الأضرار بنفسه والإفراط في إشباع حاجاته كأسلوب ناقم وبطريقة متمردة على القيد الاجتماعي.

إن التطور المتسارع الذي تشهده البِنى الاجتماعية وتأثيرها على وسائل الاتصال الجماهيري، مكنتنا من قياس المؤشرات المسهمة في تعميق أثر الإنتاج الدرامي على الحياة الاجتماعية في ظل تطورها الوظيفي والتقني، مما أتاح فرصة التفاعل بين الخطابات الثقافية السائدة، ولكن التحدي يكمن في الإنتاج الذي يستخدم الغرس الثقافي كأداة لإيصال الرسائل الهادفة في تنمية الفكر والثقافة لدى المجتمعات، والتعامل مع ظواهر المجتمع بقصد إضعاف السلبي وتعزيز الإيجابي منها.