المتابع لهذه المرحلة من حياتنا ويومياتنا سيجد أن هناك تطرفاً غير مسبوق يظهر بمظاهر عديدة، ومن خلال حوادث مروعة واعتداءات طالت المساجد بمن فيها من مصلين دون اعتبار لحرمة المكان والزمان والبشر، وكذلك ما تتعرض له النساء من انتهاكات متطرفة في الرأي والمواقف والفكر، وكما في مقتل الفتاة المغدورة من أخيها في جدة حيث قتلها لأسباب تتعلق باختيارها لزوج لا ينتمي لذات القبيلة. المتابع لهذه السياقات اليومية سيجد تخلّفا كبيراً وحاداً في الفكر، والوعي، والثقافة، بل ونجد حالة من الانحراف الفكري لم تعد قاصرة على فرد بل على جماعات بذاتها.

العنف المجتمعي هو سلوك إيذائي، وهو عمل عدواني يسلكه الأفراد ويؤدي إلى إلحاق الأضرار بالآخرين، بل وبسهولة يصل إلى مرحلة انتزاع الحياة من الآخر بالقتل المباشر المتعمد. إنهم ليسوا جماعات متطرفة تمكن ملاحقتهم والسيطرة عليهم، إنهم أكثر شراً وسطوة وتكاثراً مما يمكن وصفهم بأنهم مجرد جماعات فكرية متطرفة إنهم أفراد تحولوا إلى جماعات، وببساطة فهم نتيجة لسبب. نعم ابحث عن السبب لتفهم النتيجة.

ابحث كيف أصبحت بذرة الشر شجرة زقوم وجحيم، كيف أصبحت ذات طلع رؤوسه كرؤوس الشياطين؟ كيف استطاع أحدهم أن يتجه بدم بارد وقلب يردد "اسم الله" بل ربما ردد "بسم الله الرحمن الرحيم" قبل أن يبدأ في قتل الآخرين تماما كما يحدث مع كل أولئك أصحاب الأحزمة الناسفة حين يتجهون لمسجد ما، تماما مثل ذلك الأخ الذي لم يتردد لحظة في قتل شقيقته، مثل من لن يتردد في وصف جاره أو صديقه وقريبه بأنه كافر وأنه في النار لا محالة، إنهم مجرد أفراد تكاثروا يوماً بعد يوم تحت سمعنا وبصرنا في بيوتنا وعلى أرضنا وتحت سمائنا ذاتها.

من سمم عقل الإنسان البريء وشوه روحه وأوهمه أن الشيطان يمكن قتله في المساجد؟ من أوهم الشاب الذي قتل أخته أنه نسب شريف سقط من السماء وأن الآخرين ليسوا من مقامه المقدس؟ من أوهم الجار أنّ جاره غير الملتحي كافر في النار؟ من دبر فكر التطرف الديني والاجتماعي والنوعي؟

 أولئك من يجب وقفهم وتتبعهم والتخلص منهم لأنهم سبب بلاء الأمة، وتسمم فكر الإنسان، ولنعالج هذه الظواهر علينا وقف كل الفكر المروّع وغير السوي المتخفي وراء الأبواب وتحت كل سقف.