تشهد الأزمة السورية تطوّرات متلاحقة تظهر مدى تداعي قدرة النظام السوري على الاستمرار بالاحتفاظ حتى بالمساحات الضيّقة التي بقيت تحت سيطرته، وكيف أنه في الأسابيع الماضية اعتمد على التهويل بداعش، خصوصاً بعد انسحابه من تدمر لمصلحتها بالتزامن مع انسحاب النظام العراقي من الرمادي لمصلحة داعش. وفي كلتا الحالتين فإنّ إدارة النزاع في كلّ من سورية والعراق واحدة، وهي إيران ممثّلة في الحرس الإيراني وقاسم سليمان.
إنّ هذه الانسحابات لها معنى واحد هو تقديم أوراق اعتماد لدى التحالف الدولي لمحاربة داعش والذي لم يقدّم حتى الآن استراتيجية واضحة لتحقيق الأهداف التي شُكّل من أجلها. وربما لن توضع أي استراتيجية في القريب العاجل، وخير دليل على ذلك ما انتهت إليه اجتماعات باريس للتحالف الدولي في مطلع الشهر الحالي، حيث بقيت الأمور غاية في عدم الوضوح وخصوصاً لجهة محاربة داعش في سورية، باستثناء ما صدر عن البيت الأبيض من اعتقاد أن طيران النظام السوري لم يوجّه أي ضربة إلى تنظيم داعش منذ ظهوره حتى الآن.
سيطرت قوات المعارضة السورية على مناطق مهمّة في الشمال السوري، في إدلب وجسر الشغور وريف حماة. وأصبحت قريبة جداً من الساحل السوري الذي يشكّل خزان النظام العسكري والمذهبي، إذ أصبح عدد القتلى في تلك المنطقة عشرات الآلاف، هذا بالإضافة إلى سقوط تدمر، المدينة التاريخية وموقعها الاستراتيجي في الصحراء القريبة من محافظة حمص. وكلّها أمور تدعو إلى التساؤل عما آل إليه الصراع في سورية.
تزامن ذلك مع إعلان حزب الله عن معركة القلمون، ومن ثم معركة جرود عرسال وتهديد عرسال ومخيمات اللاجئين هناك، إذ يفوق عدد اللاجئين السوريين في عرسال سكان المدينة نفسها، وربما أصبح عدد السوريين ضعف عدد اللبنانيين من أبناء المدينة. وهذا الوضع شائع في أكثر من مدينة أو قرية من البقاع اللبناني، إذ يزيد عدد المهجّرين على أعداد السكان الأصليّين مما ينبئ بانفجار اجتماعي ما لم يتم استدراك ذلك في أسرع ما يكون، خصوصاً أنّ النظام السوري وحزب الله قد بدأ باللعب على إثارة النعرات بين اللاجئين والسكان.
طبعاً ستبقى معركة القلمون وجرود عرسال محل أخذ وردّ لوقت ليس بالقصير، إلاّ أنّ التطور الكبير الذي ظهر في الساعات الماضية هو ما تعرّض له أبناء الطائفة الدرزية من عملية ذبح من قبل مسلّحي المعارضة، بعد أن تمّت المبايعة للنصرة بتدخل من زعامة الدروز في لبنان. وتزامن هذا الحدث مع أحاديث عن خلاف بين الدروز والنظام السوري وتمنّع الآلاف من أبناء الطائفة الدرزية من الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية.
تأتي هذه التطورات مع سلسلة من الانتصارات للمعارضة في منطقة درعا وحوران، والحديث عن انسحاب النظام السوري من مواقع استراتيجية في تلك المنطقة، وخسارته لثاني الألوية من حيث القوة للجيش السوري، وتقدّم المعارضة باتجاه السويداء التي يقال إنّ الجيش السوري قد أخلاها، تاركاً أهلها من الطائفة الدرزية في مواجهة مع التنظيمات المسلّحة، ومنهم داعش طبعاً. والمعروف أنّ هذه المناطق قاتلت إلى جانب النظام منذ بداية الأزمة في سورية وخسرت علاقتها مع محيطها من أبناء درعا وحوران من الطائفة السنية، وهذا ما كانت زعامات الدروز اللبنانية تحاول ردعه وإبقاء العلاقة بين دروز السويداء وسنة حوران في حال من الوئام.
أردنا أن نتوقف عند هذه التطورات لأنّها مرتبطة بشكل متلازم مع الحدود الشمالية لإسرائيل أي منطقة الجولان المحتلّ والتي تشهد منذ أشهر سخونة غير مسبوقة منذ عام 73 حتى الآن حتى ظهور الحرس الإيراني في تلك المنطقة وبدء حديث أمين عام حزب الله عن توحيد الجبهات في الجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية. وهذا ما حدث عندما اغتالت إسرائيل القادة الإيرانيين ومعهم قادة من حزب الله الذي رد على عملية الاغتيال التي وقعت في الجولان بعملية متواضعة في مزارع شبعا.
إنّ ما يحدث الآن في الجنوب السوري قد يغيّر كثيرا من معطيات النزاع الدائر في سورية وربما في العراق وأيضاً في لبنان. فإذا تعرّض الدروز لمذبحة تشبه ما تعرّض له الأزيديّون في العراق، فإن إسرائيل ستدخل الصراع من أبوابه الكبرى دفاعاً عن الدروز وضد داعش، وستتواجه مع حزب الله والقوات الإيرانية التي تمّ الحديث عن استقدامها إلى دمشق في الأيام الماضية وهم بالآلاف. وطبعاً المعروف أنّ لواء النخبة في إسرائيل "غولاني" هو من دروز إسرائيل، إذ إنّ الدروز وحدهم يستطيعون الدخول إلى جيش الدفاع الإسرائيلي.
إذا نشبت هذه المواجهة فستكون حرباً كبرى تريدها إيران لتقول إنها كانت تحارب من أجل حماية نظام الممانعة، وكذلك النظام يفضل أن ينهزم أمام إسرائيل بدل السقوط أمام المعارضة. وطبعاً سيضيع الجولان الكبير وسيكون مصير لبنان وحزب الله أشبه بيونيو 82 إبان الاجتياح الإسرائيلي وخروج منظمة التحرير من لبنان. إنّها أيّام وساعات بالغة الدقة وربما تكون مصيرية، وعلينا الحفاظ على دروز الجولان والسويداء قبل أن تدّعي إسرائيل حمايتهم من داعش وأخواتها، تحقيقاً لرغبة إيران والنظام السوري في تغيير أدوات ومواضيع النزاع. ومن حقنا أن نسأل هل تريد إيران والنظام السوري دخول إسرائيل إلى سورية ولبنان؟