هلكونا دعاة المراجعة والخطابات الغليظة الداعية إلى استنبات وصوغ مشروع معرفي، يستحضر الوطنية في أعلى مراتبها، ويكرس اللغة المتسمة بروح الأخوة والمحبة والمساواة، بعيدا عن إثارة الموروثات التاريخية الساعية إلى تفكيك النسيج الاجتماعي، والباعثة على خلخلة الوحدة الوطنية، وإشاعة الواقع المهزوم الذي يحذر منه ولاة الأمر، ويدعون إلى وأده وطمره كثمرة سيئة ومحظور يجب تجريمه مكتوبا كان أو ملفوظا أو تداوليا في وسائل الإعلام أو الوسائط المختلفة؛ لما يضفيه على المشهد المجتمعي من إحساس بالغبن والمكايدة وإثارة النعرات النائمة، أمامي كتاب يحمل عنوان "بدو وسط الجزيرة" يتحدث عن العادات والتقاليد لمؤلفه (جوهن جاكوب هس) قام بترجمته (محمود كبيبو) وحققه وقدم له الدكتور "محمد سلطان العتيبي" وقد احترت قبل تدويني لهذه الخاطرة: هل أترك الحديث عن الكتاب لكونه لا يستحق الإشارة لضعف محتواه الاجتماعي والتاريخي ويجافي العمق والرصانة، وأكتفي بمقولة الإمام "أحمد بن حنبل" حين قالوا له: لماذا لا تفند مزاعم المعتزلة والمبتدعة والمرجئة؟ فأجاب: "لا أحب أن أنشر أقوالهم"، الكتاب في طبعته الثانية عن دار الوراق في بيروت، يروي عادات الزواج في وسط الجزيرة العربية ومسميات النساء "كالعزبة، والأرملة، والرفلي، والبايرة، والقينة، و(...........) والأخيرة توصيف أنثوي ساقط ووضيع، أنكر المؤلف وجوده عند البدو وأثبته في الحجاز ص 254، مما أغضب الدكتور العتيبي وجعله يسجل اعتراضه وسخطه في الهامش بقوله: "أكاد أجزم بعدم صحة هذه المعلومة في ذلك الزمن، وفي تلك البقاع الطاهرة على وجه الخصوص"، ولكن لم نجد هذه الغضبة المضرية والطوفان الهادر عند الدكتور عندما ورد في ص 256 هذا النص البذيء واللغة العدمية وهو يقول: "تحدث العتيبي عن عادات (المردقة) وهي قبيلة في (عسير) يشير اسمها إلى عادتها عندما يأتي إليهم ضيف يطعمونه ويجبرونه على النوم مع صاحبة البيت، وفي الصباح إذا ما كانت المرأة راضية عنه تأخذ السمن وتضعه على رأسه فيذهب بين البدو والسمن على رأسه، أما إذا طلع الصباح وكان فاشلا تقص المرأة النصف الأسفل من عباءته ليضحك عليه الناس" هل بهذه اللغة التابوتية والبهتان الرخيص والكاذب نصون وحدتنا من هذه الافتراءات ومضخات الرماد المسف، والنبرة المشبعة بحمولات غير مسؤولة وناجمة عن بلادة ومحدودية وعي، ومستولدة للسخط وفاضحة للعطالة العقلية التي يتمتع بها بعض دكاترتنا الأشاوس، المثير للحيرة أن الكتاب الساذج يباع على قارعة الطريق ورفوف المكتبات التجارية! وللإفادة أقول: إن عسير سراة وتهامة لا توجد فيها قبيلة بهذا الاسم، ولا هذه العادة القبيحة والمشينة لا في الماضي السحيق ولا الحاضر المشمس والباذخ.