على مدى عقود والرواية السعودية تتقدم محققة تطورا في طرائق السرد الحديثة، وتنال اهتمام الباحثين في مجال السرديات. استطاع الروائي السعودي الخروج من تأثير الأيديولوجية واستثمر المخزون الثقافي والاجتماعي والإرث الشعبي في بناء روايات مبدعة. لذا نجد الرواية السعودية في مقدمة النتاج الخليجي. الأديب السعودي استطاع أن يعبر عن مكون ثقافي واجتماعي عربي متنوع لتنوع البيئات المنتجة للمبدع نتيجة اتساع مساحة السعودية وتوسطها بين الشرق الخليجي والشمال الشامي والغرب الأفريقي والجنوب اليمني، فلا تقتصر الرواية السعودية على ثقافة مهيمنة سوى وحدة الانتماء الوطني، ومع ذلك خرجت نتائج المرحلة الأخيرة من (كتارا) من أي رواية سعودية!

لابد أن نفتش عن المشكلة في عدم التصدر دون إلقاء اللوم على أهلية الرواية السعودية، ونبحث عن الحقائق، وقد أبدى بعض النقاد والروائيين آراءهم في ذلك. منهم من ألقى اللوم على دور النشر في أنها لم تختر النماذج المبدعة، بينما رأى آخرون أن الرواية السعودية لم تصل إلى مرحلة الإبداع، وما يهمني في هذا الطرح هو أن دور النشر شاركت بـ35 رواية سعودية فقط، بينما إجمالي الروايات التي شاركت 711؟ هل يتناسب هذا العدد مع عدد الروايات السعودية المنشورة وغير المنشورة؟ شخصيا لا أرى بأنه عدد يتناسب مع غزارة المنجز الروائي السعودي.

لا جائزة كتارا ولا أي جائزة أخرى يمكنها أن تعطينا نموذجا حقيقيا للإبداع، فالإبداع في الرواية يعتمد على ثقافة مشتركة بين الكاتب والقارئ، وما التقنيات السردية إلا جسر عبور بينهما، وكل كاتب يتلمس منها ما يصل فيه إلى القارئ المفترض. نجاح الروائي يعتمد على ملامسته للذهنية الاجتماعية وتأثيره في اللاوعي من خلال اختيار تقنيات تناسب القارئ، ومن خلال وعيه بالتنوع الثقافي له فيعبر عنه له ويرسل موضوعاته وينجزها من خلال اللغة السردية.

إن تمركز الجوائز على المغرب العربي في الآونة الأخيرة، عمل على توجيه النظر إلى الإبداع نحو تقنيات سردية معينة تخص ثقافة المجتمع المغاربي، مما أدى إلى تشتت الكتاب المبتدئين في تمثل نهج الروايات المغاربية كنماذج حصلت على جوائز. هم يرونها نماذج الإبداع، بينما الإبداع أوسع من ذلك، وتشكل في الذهنية أن الرواية المبدعة هي ما تحاكي الرواية المغاربية، فلماذا نعزز هذا التوجه بالعناوين المحبطة مثل "خلو نتائج كتارا من أي رواية سعودية"؟ ألم تخلُ أيضا من الروايات القطرية أو الإماراتية أو العمانية أو..؟ أليس الذي يثير التساؤل عن فقدانه في مصاف المبدعين هو مبدع حقيقي؟ بالتأكيد أن ما استثاره من جدل أو تساؤل عن وجوده إلا دليل على استحقاقه، ودليل آخر على أنه أثبت وجوده في المشهد الثقافي العربي؟ فلا أرى أي وجه للإحباط أو من استغل الموقف للاستهانة بالرواية السعودية وشكك في نسبة الإبداع إليها.

الرواية السعودية ليست وليدة ثورة وطفرة تأليف كما يظن بعض الباحثين، فالرواية السعودية بدأت منذ أكثر من ستين عاما وتطورت حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. تشهد السعودية ثورة في تأليف الرواية وتقابلها حركة نقدية ودراسات سردية متخصصة وورش عمل وأوراق بحثية أخرى ودراسات ورسائل وأطروحات أكاديمية، في هذا الجو المحفز للطرح والمناقشة نشأت بيئة متوافقة مع الإبداع، فالروايات السعودية تحتل واجهات المكتبات في الوطن العربي، بحيث يمكن للناقد أن يستقرئ جماليات السرد في الرواية السعودية فيتلمس الحكاية في سرد الواقعية السحرية عند إبراهيم الحميدان، وغازي القصيبي ومها الفيصل، من استحضار الخيال الشعبي والشخصيات الأسطورية، حكايا الموروث مع شخصيات واقعية وزمن مغاير. تعدد الشخصيات في شخصية واحدة من خلال مخزون الذاكرة عند علي الدميني وغازي القصيبي، والرواية الوجدانية كما نجدها عند الجفري، وتداعيات أحمد الدويحي، والرواية التي كونت لها ثيمة نسائية خاصة تمثلت في جاهلية ليلى الجهني، حيث استطاعت أن تجعل من الحوار خطاب مشترك بين الشخصية والقارئ دون تدخل الكاتب أو الشخصية الأخرى.

يمكننا تتبع يوسف المحميد في القارورة ولغط موتى ومحاولة اللعب على القارئ وتمكنه من إضفاء طابع الغموض، وتركيز سلطة السارد حينا وحينا يبعثرها أمام القارئ الذي يحتار في جمع الجنس الأدبي الذي يقرأه تحت جنس واحد، فيقع في حيرة كما يمارسها ذاتها غازي القصيبي في (سلمى) (وهما).

إن الجيل الذي نشأ وقرأ واطلع على مثل هذه النماذج لن يخرج بتجربة متعثرة، إلا إذا استهدف عامل الثقة بالماضي وبالحاضر، لذلك على الروائيين اليافعين ألا يلتفتوا إلى أي محاولة لتغييب الإبداع الروائي السعودي، سواء كانت مقصودة أو نتيجة اشتراطات غير عادلة، أو نتيجة كسل بحثي أو تقاعس في إثبات الذات الروائية في واقع نهم للظهور. إذا استطاع الروائي التخلص من نماذج الإبداع، وفهم معنى الأدبية وتمثل القضية التي يهتم لها فإنه سيستطيع أن يوظف الموروث والمجتمع والتاريخ، وسيخلق من الشخصية الواحدة شخصيات متعددة في ذهن القارئ، وبدايات لم يكتبها ونهايات لا ينوي حتى الوصول إليها، إنما يستحضر القارئ المفترض ويحاوره بناء عليه ومنه.

هذا يقودنا إلى التساؤل عن الجماليات الروائية الحدثية والاتجاهات النقدية، وإلى المعايير التي يسعى النقاد في البحث عنها وتقييم الرواية على أساسها؟ هل يملك النقاد الحق في تقييم الرواية؟ أم أن الحق النقدي هو دراسة الرواية؟ أو دراسة المرحلة؟ والسؤال الأكبر: ما الهدف من تعيين جائزة للإبداع الروائي؟

هذه أسئلة للمهتمين، فإذا كان الهدف تشجيع الروائيين الجدد والقادمين نحو الإبداع، فيجب أن تكون المعايير النقدية تخدم هذا الهدف وتتوقف عنده وتحدد المنهجية وتخضع لإجرائية تتناسب معه، أما إذا كان غير ذلك كالوجاهة، والمنافسة لجوائز سابقة؛ فهذا لن يخدم الحركة الإبداعية.