عالم الأعمال يعج بمئات المفاهيم الخاطئة والتي استمرأها الناس، وأصبحوا يشرعونها في حياتهم، ويمنطقونها غصبا في معاملاتهم اليومية. من هنا وجدت نفسي أتذكر كيف أن شرب فنجان قهوة مع السيدة خلود أبو حمص بمكتبها في دبي يواسيني كثيرا ويرفع معنوياتي، لأن هناك من يهتم بقيم السوق العادلة التي يحث عليها الدين والقيم والمبادئ الإنسانية. عادت هذه السيدة إلى المنطقة العربية بعد دراستها في إحدى الجامعات الأميركية، لتدير إحدى أهم شبكات البث المشفرة "OSN" وهي مسلحة بقانون أخلاقي تريد تأسيسه في الصناعة الإعلامية في وطننا العربي.
ما يدهش أبو حمص ولا يدهش الكثيرين، أن رجال الأعمال في المنطقة أصبحوا ينظرون إلى الرشوة على أنها مفهوم فطري، لا يمكن تجزأته من دائرة الأعمال! بمعنى، أن منتجا ما قد باع محتوى إلى قناتها بجهده وإخلاصه، ومع ذلك تراه يصر على دفع "عمولة" لسبب غير مبرر!
أبو حمص نموذجنا هنا قد تفهم النفس البشرية عندما ترغب تلك النفس بتجاوز نظامها الأخلاقي والتحايل للحصول على "بزنس" من خلال دفع رشاوى يطلقون عليها مسميات عدة لمحاولة تجميلها مثل: عمولة، نسبة، شراكة، رسوم علاقات عامة.. إلخ، وهي في حقيقتها نفس بشرية مريضة ترغب الحصول على ما ليس بحقها من خلال الإغواء المالي، ولكن أبو حمص لا تستطيع فهم من يحصل على عقد ما من خلال جهده وإنتاجه ومع ذلك يرغب ويصر على أن يدفع الرشوة! وكأنه سرطان لا يمكن استئصاله حتى على من لا حاجة له لدفع الرشوة بعد أن وقع عقده! وهنا يكون الأخطر أن هذا الأمر يراه كثيرون جزءا أو عملا اعتياديا من طبيعة عالم الأعمال!
هذه السيدة وصلت إلى المنطقة في ثوب أبيض، وسط محيط لا يود إلا ارتداء الرمادي، لتحاول ما أمكن أن تنهض بصناعة المحتوى بعيدا عن مسميات البزنس الجديدة: عمولة، نسبة، رشوة، هدية علاقات عامة.. لأنها صيغ مادية لجعل الرديء يتسيد الجيد، وكل ذلك فقط لدواعي المنفعة الذاتية.