رغم مضي أكثر من ثلاثين عاما على أبرز أعماله الفنية، إلا أن تلك المسلسلات التي صنعها بمقومات بسيطة وموارد متواضعة ما زالت حاضرة في وجدان وذاكرة المشاهد السعودي.

مئات من المسلسلات السعودية والخليجية منها الغث والسمين، تعاقبت على مدى الثلاثين عاما الماضية، لم تستطع أن تحظى بتلك الحظوة والجماهيرية التي حققتها مسلسلات الفنان القدير محمد حمزة، صاحب اللهجة الحجازية الأصيلة.

محمد حمزة فنان عريق، ومنتج ملهم، ورجل فطري في أدائه، استطاع وسط ظروف استثنائية وإمكانات تكاد تكون معدومة أن يؤسس مدرسة درامية سعودية بطراز فريد، وعلى مدى سنوات طوال ظل الرجل ينافح ويتنقل بين الأقطار ليصنع لبلده دراما وطنية جادة.

غير أن الرجل الذي أفنى زهرة شبابه، وجل وقته وعطائه لهذا المشروع الوطني، والذي شغل الشاشة السعودية لسنوات عطاء وتميزا وتألقا، بات يشكو التهميش والنكران لفنه ولإسهاماته، وفي مقدمة ذلك التلفزيون السعودي الذي بدا أنه يركض وراء الوجوه الجديدة بصرف النظر عن الجودة والمضمون في العمل.

حمزة، وهو يترجل عن صهوة الدراما بعد أن شارف على السبعين، ويقدم وصيته، فهو لا يطلب على حد قوله تسليطا للأضواء، وحضورا هنا وهناك، لكنه يطلب ما يراه مشروعا له، وهو أن يحفظ إرثه للأجيال الحاضرة والمقبلة، لعل في ذلك بصيص أمل لدراما جادة تسعى إلى هدف سام بعيدا عن الإسفاف والابتذال اللذين أصابا العيون بالألم والأخلاق بالانحطاط.

من أراد أن يفتش في إرث هذا الرجل الوقور، فليقلب في خزينة الذكريات عن مسلسلات "أصابع الزمن"، و"ليلة هروب"، و"دموع الرجال"، و"أين الطريق"، و"قصر فوق الرمال"، وهي الأعمال التي نتذكرها كلما حل شهر رمضان الذي يزدحم بالأعمال الجيدة والرديئة.

ولغير العارفين بهذا العملاق، فهو محمد حمزة، مديني المولد والنشأة، قادته ظروف الحياة وأعباؤها في ذلك الوقت للسفر إلى مدينة جدة بحثا عن فرصة عمل يقتات منها، ويستعين بها على أعباء الحياة الصعبة، ليعمل موظفا في الخطوط السعودية، غير أن ميول الرجل، والرغبة الجامحة في داخله دفعته إلى أن يبتعد عن العمل الحكومي مبكرا، ليجد ذاته في مجال التمثيل والإنتاج.

وها هو يقف في آخر المطاف على إرث فني يتجاوز الـ30 عملا فنيا، وهي وإنْ كانت قليلة العدد فإنها قيمة فنية كبرى على مستوى الإبداع والحبكة والقصة، والبساطة، ومحاكة الواقع في ذلك الوقت.