يأنف الأدب جوازات السفر، يرفض الانتماءات الضيقة، ويتوق دوما إلى آفاق عابرة للإقليم وللجغرافيا، فالنص الإنساني الذي يضعه كاتب ينتمي بالجنسية إلى أميركا اللاتينية قد يتألق في العراق، وأدب الإغريق ما يزال متوهجا في كل أصقاع المعمورة، ومن هنا فإن التعويل في الدرجة الأولى يفترض أن يركز على النص، وليس انتماء مؤلفه، إلا لو كان النص معنيا بجغرافية المكان، حيث تشارك فيه الجغرافيا بقوة وفعالية حسب ما يقول الباحث والناقد محمد جهاد إسماعيل الذي يرى أن "الجغرافيا هي التي تحدد هويات وجنسيات البشر وهي التي تحدد الاتجاهات والمسافات للمسافرين، وهي التي تحدد الأملاك والأطيان للمالكين.. الجغرافيا متداخلة في حياتنا إلى أبعد الحدود".
ومن هنا جاء حرصنا في ملف "واحة الإبداع" الذي ينشر كل جمعة في "الوطن" على انتقاء النص الذي يلامس الجميع، بغض النظر عن انتماء صاحبه الجغرافي، لكننا مع ذلك حرصنا على التنوع ليس فقط في الأجناس الأدبية والفنية من القصة للشعر للومضة للنقد، بل وكذلك على تنويع انتماءات المبدعين الجغرافية، فنشرنا لمبدعين وموهوبين من المملكة ومصر والسودان وليبيا والمغرب وسورية وفلسطين، مع أننا ما زلنا في الملف الثالث وحسب، لنؤكد أن اللغة التي تجمعنا، وهي الحاملة لتلك النصوص الإنسانية قادرة على أن تجعلنا نشعر بالآخر، ونتلمس معاناته واهتماماته وأوجاعه.
ومع كل هذا الحرص، كنا نتوق إلى مشاركات سعودية أوفى، فهذا الآخر القاطن في بقية أصقاع الوطن العربي يتوق للتعرف على التجربة الإبداعية السعودية، ويتوق لتحسس ما ينشده المبدع السعودي، وما يتطرق إليه في نصوصه.
في أعلى صفحة الملف وضعنا عنوانا إلكترونيا لتلقي المساهمات، وكنا نطمع بكثير، لكننا تلقينا ثلاثة نصوص فقط، كلها جيدة، لكنها سبق أن نشرت في صحف أخرى، فيما نبحث عن نص بكر، نص يطل عبر نافذة "واحة الإبداع" ليعلن عن وجوده، ولينتقل من كنف صاحبه إلى ميدان القارئ الذي سيحكم عليه من حيث الجودة والفكرة اللامعة والإدهاش في الصورة والصياغة.
تجربة الملف ما زالت في البدايات، ونثق أنها ستنضج أكثر مع التوالي والتكرار، لكن الأصداء ـ ولله الحمد ـ مشجعة للغاية حتى الآن.