من المقلق بالنسبة لي أن تكون الجهود المنصبة في محاربة تنظيم داعش، ترتكز بشكل أساسي على محاولة صد الهجوم الذي قد تتعرض له بعض دول المنطقة، من خلال وضع الخطط الدفاعية والتحصينية، إلى جانب السعي بشكل حثيث في محاربة قنوات التجنيد والتمويل عبر المنصات الإلكترونية والاجتماعية المتعددة الرامية إلى زيادة الذخيرة البشرية والاقتصادية، من أجل توسيع القدرات التخريبية لتفتيت الدول، وتدمير مكوناته البشرية والتنموية والفكرية.

لن أعد المواجهة الراهنة مع إيران ليست هي الأولوية، ولكني في الوقت ذاته أجد أن الأولوية في وقت كالذي نعيش فيه أن نضع في عين الاعتبار الأبعاد الاستراتيجية التي تعيشها المنطقة، والنظر إلى المخاطر باعتبارها حزمة واحدة، وعدم الركون خلف بعض التفسيرات التي ترى أن داعش وإيران بالضرورة عدو واحد، فالتجربة الحية تثبت لنا أن محاربة رأس الفساد لا تعني طمس الفساد، فإن كان "داعش" أداة لإيران فذلك لا يعني أن كسر شوكة إيران بالضرورة ستلغي خطر "داعش".

ما يخيفني هو ذلك التردد أو التسطيح الذي تنتهجه الدول العظمى في تناول الخطر الداعشي على المنطقة والعالم، فالضربات الجوية وحدها لم تحسم حربا أبدا، إلا إذا كانت بالسلاح النووي، والتعامل مع الجماعات المسلحة أو المتمردة باعتبارها مجرد مجموعات إجرامية وميليشيات خارجة عن القانون دون النظر إلى تجارب التاريخ، فتلكم الجماعات بإمكانها أن تعيد إلى الواجهة بعضا من دروسه حول كيفية تحول الشيوعيين الأوائل إلى دولة حكمت نصف الكرة الأرضية فيما مجموعة "مقاتلين جهاديين" تحولوا إلى دولة أسقطت بطائرتين انتحاريتين كبرياء الرجل الأشقر.

"داعش" اليوم مشروع فكري سياسي عسكري أممي عازم على ألا يتوقف عند حدود الهيمنة على دولة أو دولتين، بل ماض باتجاه تأسيس بعبع إقليمي بروح عالمية تماما كما كان عليه الحال مع الماركسيين الأوائل.

هناك من يقول إن حربهم من أجل القضاء عليهم ستستغرق ثلاث سنوات، في حين أتساءل كيف يمكن أن ننتظر كل هذا في وقت لم تحتج مجموعة من الإرهابيين الراكبين على ظهور دباباتهم المتهالكة أكثر من أشهر معدودة، لاحتلال أراض يقدرها البعض بثلث مجموع أراضي دولتي العراق وسورية، وكيف يمكن تفسير الانتظار كل هذا الوقت دون وصفه بالتكاسل والجهل وانعدام الرؤية حيال ما هو مهم وما هو أهم.