سهل جداً أن تتكلم، والأسهل أن تتحول كلماتك إلى مجرد فقاعات من الصابون، لا تغسل حزناً، ولا (تُسَلِّك) أذناً!.

من هنا ربما نستطيع تبرير ظاهرة الصمت العربي إزاء ما يجري من تهويد للمقدسات الإسلامية في فلسطين، وتسطيح للمناهج الدينية في أغلب المقررات العربية، والحرب الشعواء على الحجاب الإسلامي في بعض الدول الغربية، بل وبعض الدول العربية والإسلامية، وغير ذلك من القضايا الجوهرية التي تمس هويتنا!.

لكن الذي لا نجد له مبرراً، هو ذلك الصمت الذي يصفه البعض بـ(الخيانة)، أو (العمالة)، أو (الاستسلام مدفوع الثمن)، أو حتى (الضعف)، إزاء ما يجري لأمتنا العربية والإسلامية!.

الصمت هنا، وفي ظل مثل هذه الاتهامات، لا يمكن أن يكون إلاّ من قبيل (اصبر على جار السّو...)، فهو الصبر (الاضطراري)، لا الصبر كـ(فضيلة إسلامية) يؤجر عليها المرء!.

والصبر الاضطراري لا يعني سوى الاستسلام للواقع مهما كانت مرارته، لانعدام القدرة على تغييره، أو حتى مقاومته بالكلام، مجرد الكلام!. وهنا يطل الضعف والوهن وشيخوخة الإرادة في أبغض صورها، ولكن العجيب أن تلك الإرادة الشائخة التي لم تعد تجدي معها (الفياجرا) أو تغيير (الأعضاء) أو حتى (الدماء)، وذلك الوهن الذي يضرب مفاصل القرار العربي وما تيسر له من (عكازات)، وهذا الضعف الذي يتجسد في الانزواء خلف الأحداث الكبرى كقطة (سيامية) لا أقول مسالمة، بل مرعوبة، وغير ذلك من صور الخذلان والاستسلام المذل، أقول: إن تلك الإرادة وذلك الوهن وهذا الضعف سرعان ما تتحول بقدرة عجيبة إلى صوت زاعق، وسواعد فتية، وقوة مفرطة، إذا ما تحولت إلى الداخل على غرار (أسدٌ عليّ...)!.

فهل يستمد الصوت الرسمي في بعض دولنا العربية قوته من الشعوب ليعلو ويزعق في وجهها، بينما يتحول إلى صمت مميت في مواجهة الآخر الذي يعتدي على مقدساتنا وكياننا وهويتنا؟!.

معادلة مقلوبة - إذن -، وعيب لا بد أن يصحح، إذا ما أردنا أن يحترمنا الآخر، وإذا ما انتوينا أيضاً أن نحترم أنفسنا!.

ليس الصمت فضيلة في كل حين، وليس الكلام فضيلة في كل آن، ولكن ينبغي أن نقدّر جيداً متى نتكلم، وأعني هنا الكلام الذي يصل إلى مرتبة الفعل، ومتى نصمت، وأعني الصمت النابع عن قوة لا ضعف، لحكمة هي أجدى من الزعيق المجاني، أو الجعجعة التي لا يُرى لها طحنٌ ولا أثر، اللهم إلاّ التفريغ والتنفيس وإخماد القوى الثائرة في أنفس الشرفاء!.

صورتنا العربية والإسلامية ينبغي أن تتخلص من الشوائب التي حولتها إلى (ملطشة)، وأفقدت الناس انتماءها وزهوها بتاريخها التليد وحضارتها الضاربة في أعماق الإنسانية بكل معانيها، ولكن يبقى السؤال ثلاثي الأبعاد: متى وأين وكيف؟!.