جوانب كثيرة في خطابنا الإسلامي خاصة المنبري لم تتماه مع متغيرات العصر، وما تواجه ديننا وبلادنا من تحديات داخلية وخارجية. لقد حان الوقت ليكون هذا الخطاب ملائما وصالحا لهذا العصر تماما كما هو الإسلام الذي هو صالح لكل زمان ومكان، والذي يفترض أن ينطلق الخطاب المنبري منه.

إن اختيار الموضوعات المطروحة على هذه المنابر عامة أمر بالغ الأهمية، وعلى هذه المنابر عامة -من جانب آخر- نبذ الموضوعات التي تثير الطائفية أو تؤثر على وحدة الوطن أو تلك الموضوعات التي تسيء إلى أمتنا أكثر مما تحسن إليها في ظل هذه الهجمة علينا وعلى ثوابتنا وبلادنا. فمثلا ما الجدوى من طرح معاداة الآخر من قبل البعض؟

إن مثل هذا الطرح يضر بأمتنا حاضرا ومستقبلا وفي الوقت ذاته لا يتفق هذا الطرح مع منهج الإسلام لعدة أسباب: أولها: أن الدين الإسلامي مبني على ثقافة التسامح ومعايشة الآخر، بل البر والإحسان إليه ما دام لم يحاربنا أو يخرجنا من ديارنا: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة (8).

وليس من صالحنا أو من صالح ديننا وأوطاننا في هذه الظروف -توتير العلاقة بالآخر- خاصة في ظل ضعفنا والمتضرر الأول هنا هم المسلمون لأنهم الأضعف، والمستفيد هو الطرف الأقوى.

ثانيا: إننا لسنا الأمة الأقوى حتى يكون طرحنا لخطابنا بهذا الأسلوب الذي ينتج عنه مع الأسف عداء الآخر لنا، بل وإجلابه بخيله ورجله وإعلامه على عقيدتنا وتقديمها للآخرين بأنها عقيدة الاستعلاء والعنف والإرهاب. وهذا أمر من الله لرسوله في دعوته وتعامله مع غير المسلمين بقوله: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) آل عمران 159. وأتوقف هنا عند موضوعات مهمة ما أحوج أمتنا إلى تناولها على منابرنا في خطابنا الإسلامي:

الأول: علينا في ظل هذه الظروف التي تواجه شريعتنا وأوطاننا أن يتوجه هذا الخطاب إلى تصحيح مفهوم الغرب حول قضية أن الإسلام يحض على العنف أو الإرهاب أو أن الإسلام ضد التعددية، وضد التعايش مع الحضارات والثقافات الأخرى، إن على هذا الخطاب أن يكشف أن الإسلام أول من دعا إلى السلم والسلام، وأن نصه المقدس آمن بالتعددية واختلافات البشر وتنوع توجهاتهم وقد جاء بنص القرآن الكريم (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين).

الثاني: تأتي أهميته من أجل مواجهة الحملات الظالمة التي تواجه أمتنا، وذلك بكشف وبلورة احترام الإسلام للإنسان مهما كان وطنه أو معتقده: (ولقد كرمنا بني آدم) الإسراء 70.

الثالث: حفظ الإسلام للعهود وأمره المسلمين بذلك: (وأفوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) الإسراء 34. وهذا يعني أنه يجب على المسلم أن يحترم أنظمة الناس والدول، ويحفظ أرواحهم وأعراضهم، وحسبنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهدا لم ير رائحة الجنة».

وعلينا أن نوضح ونؤكد أن شذوذ بعض المسلمين هو الذي يؤكد قاعدة سماحة الإسلام ومعايشة المسلمين للآخرين على مدى القرون الماضية، وان الشذوذ موجود في كل أمة وملة.

الرابع: ضرورة الحوار مع الآخر والمجادلة بالتي هي أحسن وليس بأسلوب الغضب والصراع والتشنج، وأن الحوار مع الآخر مطلوب بهدوء ومنطق وبدون شتم أو سباب أو حتى تعميم في الدعاء: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) العنكبوت 46.

ولكم يملؤنا السرور عندما نجد من بعض علمائنا من يقدم الإسلام من خلال صورته التسامحية التي تعايش العصر، وتدعو إلى التعامل الحسن مع الحيوان فضلا عن الإنسان. فهذه فتوى اطلعت عليها وهي لفضيلة الشيخ عبدالله البسام عضو هيئة كبار العلماء –رحمه الله– كشف في إجابته عند سؤاله حول التعامل مع غير المسلمين عن سماحة الإسلام، وهذا نص السؤال ونص الفتوى أنشرها لأهميتها وعلاقتها المباشرة بهذا الموضوع:

أنا موظف ووظيفتي تقتضي مني مجاملة غير المسلمين كالبشاشة في وجوههم والابتسام عند لقائهم، ومشاركتهم في «البروتوكولات» التي يعتبر قيامي بها من اللباقة والعرف العام الذي لا يتصادم مع ثوابت الإسلام؟ وكان جواب الشيخ -حفظه الله- وزاده توفيقا:

«إذا كان عملك يحتم عليك المشاركة في هذه البروتوكولات، وأنت تؤدي خدمة لوطنك ولأمتك، ولم تكن هذه الأمور مما يخص شعائرهم الدينية، ولا يعد من يفعلها تابعا لدينهم في الظاهر وإنما هو مقتضى العرف العام واللباقة والمجاملة التي لا تبلغ حدا يكون فيه المسلم قد تخلى عن ثابت من ثوابت الإسلام، فالأمر واسع ولا مانع من ذلك شرعا».

لقد سعدت بمثل هذه النظرة الواعية من علمائنا وفي نظرتهم وفتاواهم حول التعامل مع الآخر بأدب وخلق كريم، وباللباقة معهم والبشاشة في وجوههم كما جاء في هذه الفتوى، ولقد انطلق الشيخ الكريم –رحمه الله– من قول الله مخاطبا المسلمين (وقولوا للناس حسنا). البقرة 83.