ولم أكن أنوي الكتابة عن أمثالنا الشعبية التي تمثل "نكبة" حقيقية لولا وقوفي على عتب والد لابنه الذي اختلس ما خف وزنه من مكان عمله فبادره والده بأحد أمثال النكبة "إذا سرقت فاسرق جمل"، هنا فقط تأكدت أن أمثال النكبة سارية المفعول، وممتدة الصلاحية.

المثل السابق تحديدا يحثك على التورع عن السرقات الصغيرة التي لا تكفيك، إلا أنه يحثك على تلك الأخرى التي تجعل الخزانة خالية إلا من الهواء! المثل السابق هو أن تستحوذ على الجمل الذي يأتي أحيانا كمناقصة بكلفة تتجاوز عدد الخانات التي تسمح بها الآلة الحاسبة، لتظهر النتائج كمشروع هزيل تستطيع التنبؤ بسهولة عن موعد سقوطه!

إليك عزيزي القارئ "مثلا" آخر من أمثال النكبة "جلد مو جلدك جره على الشوك"، وهذا المثل عبارة "شرعنة" كاملة للاعتداء على الممتلكات العامة، هنا تجد التبرير لكل الاستفسارات التي تقتحم رأسك حين خروجك من حديقة متهالكة الأطراف، وعند مشاهدتك لجدار مثخن بقصائد العشاق، وبعد فراغك من التأمل في أحد صناديق "واصل" المعطوبة، سيغنيك هذا المثل عن طرح مزيد من الأسئلة حول لماذا وكيف لا تكاد تجد مرفقا حكوميا سليما من الجرّ على الشوك ؟! ولا تنتهي أمثال النكبة عند هذا الحد، ما رأيك بالمثل التالي "حشر مع الناس عيد"؟ ولا أعلم إن كان صاحب براءة اختراع المثل السابق ابتكره وهو مستمتع بالتجمهر مع ألفٍ معه عند إحدى بوابات مكتب العمل، أو أنه كان من ضمن الحشود المتراصة عند أحد فروع الضمان، لست أفهم كيف يكون "الحشر عيدا" وأنت تجد نفسك محشورا في سيارتك مع مئات غيرها في طريق لا ينفذ؟ أي "عيد" سيحضر حين يتزاحم الآلاف من الناس في دائرة صغيرة على أمل الفوز بوظيفة يتيمة؟!

ينص أحد أمثال النكبة على "أبعد عن الشر وغني له"! وسنتفق على الابتعاد عن الشر لأقصى مسافة ممكنة، أما "غني له" فهي تكريس فعال لمفهوم الانبطاحية المطلقة، وتمرين رائع لمزاولة النفاق لأقصى درجاته، الفئة الوحيدة المنتفعة من هذا المثل هي "بطانة" المسؤول حين تبتعد عن غضبة قراره الجائر ثم تمارس العزف على وتر ظلمه!