xتحتفظ ذاكرة الشاعر والأديب عبد القادر بن عبدالحي كمال بذكريات رمضانية جميلة، استعاد جزءا منها في هذا الحوار السريع الذي أجرته معه "الوطن" في محاولة للغوص في ذاكرته ليستعيد شيئا من الذكريات الرمضانية في العصر الجميل:-

ماذا تحمل ذاكرتك عن رمضان؟

ما زلت أختزن في ذاكرتي المهترئة طقوس الإعلان عن حلول رمضان أو العيد الذي كان عن طريق المبرقات الحكومية، وأحياناً يتأخر الإبلاغ، وأحيانا تقوم القرى في الظفير بالباحة بإيقاد نار على جبل مرتفع بالليل لندرك أن شهر الصيام قد حل، وفي خلال النهار بإطلاق أعيرة نارية من البنادق القديمة، وأحيانا لا نعلم بهلال رمضان إلا حول الظهيرة.

هل تتذكر شيئا من تفاصيل قصتك مع صوم اليوم الأول من رمضان؟

كانت والدتي -رحمها الله- تعد لي الطعام في منتصف اليوم عندما كنت طفلا، ولما كبرت قليلا كانت توافق أن أصوم يوما بعد يوم حتى أتمرن، وهكذا كان ذلك دورة تدريبية لي، وفي السنة التي تلتها كانت -رحمها الله- غادرت إلى مثواها الأخير، وانتقلت أنا إلى الطائف لإكمال الدراسة الابتدائية.

ما الذي كان يدفعك للصوم وأنت في تلك السن؟

القدوة والجو العام المحيط بالطفل المسلم المولود على الفطرة، فكنا نتشبّه بالكبار ونُفاخر بعضنا بعضاً بذلك، رغم أن شهر الصوم كان في أشهر القيظ.

ماذا تتذكر أيضا عن رمضان في مرحلة الصبا والشباب؟

ما نشاهده من قبل والآن من حرص الكثير منا على الإسهام في إفطار صائم، فأريحية العطاء تتجلى في شهر رمضان بوتيرة أكثر مساحة، رأيت ذلك وأحسست به عندما انتقلت إلى مكة المكرمة لإكمال الدراسة الثانوية، وأرى حرص الكثير من الموسرين وغير الموسرين من الخيرين على إفطار الصائمين ولو بشق تمرة.

ماذا كنتم تعملون في ليالي رمضان؟

كنتُ وزملائي نصلي صلاة العشاء والتراويح في المسجد، وبعد ذلك منا من يلعب ومنا من يساعد والده في متجره، وكنت ألعب قليلا ثم أجلس في مكتبة عمي الشيخ محمد سعيد كمال رحمه الله (مكتبة المعارف الشهيرة بالطائف) أقرأ قليلا وأستمع إلى نقاشاته مع زائريه من طلبة العلم والمثقفين، وكانت النقاشات ذات فائدة علمية وثقافية.

ماذا عن رحلتك مع الدراسة في رمضان؟

شمس الطائف شمس حارة خصوصا في الصيف خلال شهري يوليو وأغسطس، فإن هل علينا الشهر الكريم في الصيف فإن ذلك يُرهقنا لأننا كثيرو الحركة ـ وهذا يسبب عطشا وأوارا، ولم تكن آنذاك مكيفات ولا مراوح، فكنا نعتمد على مراوح الخوص (المهفة)، وعندما ذهبت لمكة المكرمة للدراسة، وفرت لنا نحن الذين لا مساكن لنا في مكة ولا أهل وفرت لنا مأوى في قلعة جبل هندي، وكنا ننام في السطح، نرش على الشراشف (الجِلال) الماء لترطيب جو مكة المكرمة شديد الحرارة.

ما هو برنامجك كمثقف وأديب في رمضان؟

رحلتي مع القراءة بدأت في مكتبة الشيخ محمد سعيد كمال -رحمه الله- (مكتبة المعارف في الطائف)، فالمكتبة تزخر بأمهات الكتب، ومنها وفيها بدأت علاقتي مع الكتاب، وكان يناقشني فيما أقرأ، وكان عمي حسين كمال يجري بيني وبين شقيقتي التي تكبرني منافسة على القراءة وآراء كل واحد منا وانطباعه عما قرأ، أذكر فيما أذكر أنه مرة أحضر لنا كتاب المعلقات وطلب منا أن نقرأها وماذا نفضل من هذه المعلقات، ولما تهيّأنا لإبداء نتائج مطالعاتنا قلتُ إن معلقة عمرو بن كلثوم هي ما أفضله في المعلقات.

ما المواقف التي لا تزال عالقة في ذهنك عن رمضان؟

عندما كنت فتى كنت أشهد العنعنات والعصبيات التي لا تكون إلا في ليالي رمضان، بين حارات الطائف، فكل فتى يتعصب لحارته ويتجمعون بعد صلاة العشاء بعصيهم لملاقاة الحي الآخر وتدور معارك بلهاء لا فائدة منها إلا إذكاء روح التعصب، اشتركت مرة في هذه المشاحنات، وذهبنا مجموعة من فتيان حارة فوق بعصينا إلى حارة أسفل، وكنا نهزج فرحين ونردد (ودخلنا الحارة وما فيها، واللي فيها ما يحميها) فاستدرجونا فتيان حارة أسفل دون أن نشعر وأخلو لنا السبل، ثم أحاطوا بنا في كمين، وكانوا أكبر منا سنا، فأُسقط في يدنا، واكتفوا بتجريدنا من عصينا ورجعنا مخذولين، وبعدها لم أشارك في هذه العصبيات، بل كرهتها.

كلمة أخيرة توجهها للصائمين؟

أذكِّرُ نفسي وإخواني بحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقال ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنّة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.. الحديث".