هناك كثير من الروايات تعود بك من منتصف الطريق.. تعصف بشهيتك للقراءة فتجعلك تتأرجح بين النهاية على مضض، أو التوقف مستسلما لخيبة الأمل في القدرة على السير حتى النهاية..

وروايات أخرى تبهجك.. تنقلك من مكانك لتعيش مع شخوصها تتبع كل حركاتهم وسكناتهم، وتقضي معهم رحلتهم، سواء كانت ماتعة أم شقية، سعيدة أم حزينة..

تجعلك تبقى حيث تركت أحد شخوصها، بل لا أبالغ إن قلت إني أستشعر حالته النفسية، وأعود لأرى هل تغيرت أم لا، ومتى سيكون في حالة أكثر استقرارا وبهجة، لأعود معه إليها..

في رواية "براق" وجدت نفسي أعود إلى منتصف التسعينات الهجرية.. عشت مع "براق" وفوز قصة الحب تلك، وسلاسة العلاقة وطهرانيتها.. قضيت مع البطلين ساعات الفقد وأيام البعد، وفرحت لهما وحزنت عليهما، كنت أستعد معهما للقاءات البريئة، وأترقب بشغف حوارهما، وكيف سار بهما الحب شوطا كبيرا في الحياة.

"براق" رواية احتشدت فيها أحداث متقاربة زمنيا، متسلسلة تصور حقبة زمنية عاشها الناس في قرى الجنوب قبل أن يزحف عليهم المد الصحوي.. قبل أن يربكهم الخطاب المتشدد، وينزل عليهم الخطاب الإعلامي أنواعا شتى من الزيف والتنكر والتقلب.

في هذه الرواية استطاع الروائي أحمد الحربي أن ينتزعنا من بين الأسمنت والزجاج وحياة أبها المزدحمة بالمشاريع المؤجلة، ويعود بنا إلى أبها الهادئة بسبلها وأحيائها وبساتينها.. ذكرنا كيف كان الناس في أبها بيتا واحدا، يتقاسمون الحب والحزن والماء.. يلتهبون شوقا لغائبهم، ويطيرون فرحا لعودة "طارشهم".

"براق" البطل والرواية أعاداني إلى الثقة بأنه لم يزل هناك حب ووفاء، وحيوات مبهجة عاشها الناس وتعايشوا معها تستحق أن تروى للأجيال، ليعلموا أن الفرق بين حياتين حرفا "الحاء والباء"، إن استطاعوا أن يوظفوهما عادت الحياة بجمالها وعم الهناء والاستقرار.