بدأت في 5 يونيو "حزيران" المفاوضات بين أميركا وإيران لصياغة الاتفاق النهائي. وبدأ العدّ العكسيّ للاتفاق بين الخمسة زائد واحد وإيران حول برنامجها النووي، والذي حدّد الاتفاق الإطار الثلاثين من يونيو موعدا نهائيا لتوقيعه، مع وضوح حاجة كلّ من روحاني في إيران وأوباما في أميركا لهذا الاتفاق، مهما كانت الأثمان، ومع الاعتراض والتحفظات الواضحة للجمهوريين في الولايات المتحدة وإسرائيل. وأما الموقف العربي الذي سمعه الرئيس الأميركي في كامب ديفيد فهو أكثر وضوحا، إذ إن القادة الخليجيين لم يتحدثوا عما سينتج عن الاتفاق في السنوات القادمة فقط، بل عما هو قائم مع إيران بعد مشاركتها مع أميركا منذ 2003 في العراق، مرورا بسورية ولبنان، وصولا إلى غزة، وأخيرا في اليمن، وكلّها وقائع يعرفها الرئيس الأميركي جيدا.

الاتجاه العام في الداخل الإيراني يظهر توافقا بين المرشد روحاني وفريق كبير من المحافظين حول ضرورة الإسراع بتوقيع الاتفاق لأسباب اقتصادية اجتماعية، واستخدام الاتفاق كانتصار للدبلوماسية الإيرانية، وأن المجتمع الدولي قد أذعن للرغبات الإيرانية مما يسمح لهذا الفريق بالعودة إلى الداخل الإيراني في وضعية المنتصر، لأن الشعب الإيراني لا يؤيد التوسع الإيراني في المنطقة على حساب لقمة عيشه وعمله واقتصاده، وهذه أكبر مشكلة تواجه كل الدول التي تتوسع خارجيا، إذ يصبح البقاء في الخارج هو السبب الوحيد للبقاء في الداخل، خصوصا عندما تقوم السياسات المتبعة على الحروب والدمار والخراب.

الدول المشاركة في التفاوض ليست على قلب رجل واحد، فالحسابات الروسية مختلفة عن الأميركية والفرنسية وغيرها لأن إيران بالنسبة لروسيا دولة جوار وهناك مصالح متعارضة مع إيران، وإن تطور العلاقة الإيرانية الأميركية يقلق روسيا، خصوصا أن الاتفاق الإيراني الأميركي في العراق كان أحد أهم أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ خسرت روسيا آخر مواقعها في المنطقة بعد زوال نظام صدام حسين، هذا بالإضافة إلى التعارضات الروسية الإيرانية في أكثر من مكان في آسيا، وعدم التطابق بالمصلحة في سورية. ولذلك بدأت روسيا تحاول الانفتاح على المملكة العربية السعودية والحديث عن تغيير في سياساتها في سورية واليمن.

الفرنسيون أيضا لهم حسابات خاصة بهم، فهم معنيون بالدولة اللبنانية وهي الأم الحنون تاريخيا للبنان، والمؤسس لهذا الكيان عبر إعلان دولة لبنان الكبير من قبل الجنرال غورو في واحد سبتمبر عام 1920، بالإضافة إلى علاقة لبنان بالثقافة الفرنسية، إذ إنه من أنشط الدول الفرانكوفونية. هذا بالإضافة إلى التقارب العربي الفرنسي في المواقف الدولية، خصوصا بعد ما حدث في مصر واختراق السعودية للموقف الدولي المعارض لمصر بالتأثير على الموقف الفرنسي. وهذا ما تعارض مع المنحى الإيراني في المنطقة لأن إيران تعمل على إضعاف الموقف العربي وشرذمته، وأيضا السعي الفرنسي للاعتراف بالدولة الفلسطينية من خلال المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط على أساس المبادرة العربية والقرارات الدولية. وهذا ما يسحب من إيران ورقة أساسية استخدمتها غطاء لتوغلها في المنطقة العربية ألا وهي القضية الفلسطينية.

أما إسرائيل فهي شريك مضارب، إذ استفادت من كل الفوضى التي أحدثتها إيران في المنطقة وما تسببت به من إشعال للحرائق وتهجير للمواطنين الآمنين من العراق وسورية، بالإضافة إلى دعم النظام في سورية والانخراط في القتال ضد الشعب السوري بعد التنكيل بالشعب العراقي وإحداث الفتنة بين المكونات الوطنية للدول العربية، خصوصا بين السنة والشيعة. كل هذه الأمور جعلت من إسرائيل الأقل تسببا في الانهيارات والعدوان، وأصبحت في وضع من يدافع عن نفسه، واستفادت كثيرا من انشغال العالم بالملف النووي الإيراني لتتمادى في العملية الاستيطانية وتهويد القدس من دون رادع أو رقيب بسبب أولوية الملف النووي الإيراني. بالإضافة إلى ذلك فلقد مهدت إيران لإسرائيل كل أسباب العدوان على غزة ثلاث مرات. وهي الآن بعد ما أحدثته من فوضى في سورية والعراق ولبنان تقدم لإسرائيل فرصة مثالية لعدوان جديد، خصوصا في الجنوب السوري والسلسلة الشرقية من لبنان.

الأيام القادمة ستحمل الكثير من الإشارات والمعطيات التي ستتضح معها مسارات التطورات القادمة في الإقليم بأسره. وسيكون هناك تعامل جديد مع كافة القضايا، خصوصا بعد اجتماع باريس في 2 يونيو الحالي لقوى التحالف في موضوع سورية والعراق وانكشاف علاقة النظام السوري بداعش وأخواتها في سورية والعراق والخليج أيضا، وبالتالي أصابع إيران في تفكيك الدول وإنتاج الفوضى التي أصبحت تهدد الدول الأوروبية، خصوصا لجهة اللاجئين العراقيين والسوريين. وأيضا سيتحرك الملف الرئاسي في لبنان، إذ لا تستطيع إيران أن تستمر بتعطيل الاستحقاق بانتظار نتائج الميادين والحرائق التي أشعلتها. وستكون الأسابيع والأيام القادمة من شهر يونيو 2015 أكثر تأثيرا من يونيو 67.