يصل عمر المنطقة التاريخية في جدة إلى نحو 3 آلاف عام وتزخر بعدد هائل من المواقع والمساجد والبيوت الأثرية أهلها للدخول إلى منظمة "اليونسكو" للتراث العمراني العالمي.
من جملة هذه المواقع والبيوت يظهر جليا بيت "باعشن" الذي يعد من أقدم البيوت التاريخية في المنطقة، إذ يصل عمره لأكثر من 222 عاما كأعرق بيوتات جدة القديمة، حيث بني في عام 1273هـ وكان إلى جانب أنه منزل لعائلة آل باعشن التجارية ملتقى علميا واجتماعيا وثقافيا فيه تعقد الأمسيات وتدار الحوارات بين كبار أعيان جدة وتحت رواشينه "الخشبية" ينصب مركاز العمدة وحوله يلهو أطفال حارات المنطقة التاريخية كالشام والمظلوم واليمن والبحر بألعاب كانت جميعها من صنع أيديهم.
وفي لقاء مع عميد أسرة باعشن عبود بن أبوبكر باعشن، أوضح لـ"الوطن" أن البيت ينقسم إلى قسمين أو بيتين بالأصح هما "البيت الغربي الشمالي" الذي تجاوز عمره أكثر من 150 عاما في حين أن البيت "القبلي الشمالي أقدم منه بسنوات عدة بنحو 220 عاما ما زال كلاهما يحظى بتراث عريق من صور ومخطوطات وصناعات يدوية فاخرة التي تأسر العديد من الزوار ومحبي التراث التاريخي وهو بلا شك يعكس صورة جميلة ورائعة عن مدينة جدة التاريخية إلى جانب ما يشتمل عليه بيت باعشن التاريخي من متحفين للعملات والطوابع البريدية القديمة ومصلى يعرف بـ"الخارجة" تقام فيه صلاة التراويح منذ أكثر من 100 عام فضلاً عن كراسي قديمة تميز بها بعض أفراد باعشن، حيث كانت تَكتب أسماؤهم عليها ويميز طوابق البيت الثلاثة الأخرى بأنها سكنية ويعلوها السطح وتتصف طوابقه بالتصميم التراثي القديم مثل الطيرمة والخزانات وبعض ما يحتويه البيت القديم من تراثيات.
وأكد باعشن على ضرورة رعاية مثل هذا الإرث التاريخي وتقديمه إلى الأجيال الحالية وربطهم بماضي الآباء والأجداد وتبيان ما كانت تعيشه المنطقة التاريخية في الماضي من خلال حارتها المصطفة على جنباتها الدكاكاين وفي شوارعها يجلب "السقا" الماء العذب للأهالي بزفته التي يحملها على ظهره إلى جانب بقية الحرف التي اشتهرت بها المنطقة من نجارة وصباغة وبناء ومعدي المأكولات الشعبية مثل الفول والشريك والمخللاتي والألعاب القديمة مثل الكبت والمدوار.
وحول دور بيت باعشن في الحراك الثقافي أكد باعشن أن البيت لعب دورا في دفع الحركة الثقافية في المملكة من خلال إهدائه لمجموعة من المخطوطات والوثائق القديمة ومكتبة ضخمة تضم كتبا تاريخية وعلمية وشرعية قيمة وقد تم إهداؤها لدارة الملك عبدالعزيز وخصص موقع بالبيت كمعرض لموسوعة تاريخ مدينة جدة للأديب عبدالقدوس الأنصاري، لافتا إلى مجالس البيت المحتوية على آيات قرآنية بخط خطاط مصحف مكة المكرمة الشيخ محمد طاهر كردي -رحمه الله- والشيخ أسعد محمد سعيد حبال -رحمه الله - وقد أسس علي بن عبدالله باعشن رئيس الجالية التجارية بجدة أول منزل له أيام الدولة العثمانية عام1250هـ وسكنه آن ذاك والي جدة.
هذا البيت العريق والمعلم الساحر من معالم المنطقة التاريخية لم يزل صامدا حتى اليوم شاهدا على فن العمارة الحجازية ومقر لمبادرة سواعد الوطن للتنمية المستدامة "سواعد" التي ستعمل فيه ومن خلاله على إحياء البيت واستمراره كمنارة من منارات تنشيط الحراك الثقافي والتاريخي لهذه المنطقة، خاصة أنها تضم خيرة من أبناء وبنات الوطن من أجل دعم أعمال المسؤولية الاجتماعية وتحقيق الانتماء الوطني وغرسه في نفوس الشباب.