أكتب هذا الأسبوع من باريس حيث انعقد الاجتماع الوزاري "المصغر" للتحالف الدولي ضد داعش، ولكن خيّمت عليه أنباء الفشل في الجبهتين العراقية والسورية، حيث اكتسح التنظيم الإرهابي الأنبار في العراق وتدمر في سورية، محققا تقدما استراتيجيا ورمزيا. حاول المجتمعون الخروج بنتيجة إيجابية على الرغم من ذلك، من خلال البيان الرئاسي الذي صدر عن المؤتمر، ولكن لم تكن هناك إجراءات أو التزامات جديدة تتناسب مع هذه التطورات، بل توحي التصريحات المنسوبة لبعض اللاعبين الرئيسيين باختلاف وجهات النظر وربما الإحباط أحيانا. فما هي الأسباب؟

بدأ المؤتمر بداية سيئة بالإصابة الرياضية التي حلت بالوزير الأميركي جون كيري، حين سقط من دراجته وغادر عاجلا إلى الولايات المتحدة قبل بدء المؤتمر.

شارك في لقاء "المجموعة المصغرة" وزراء ومسؤولون من 22 دولة بالإضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ناقشوا الوضع العسكري والأمني في العراق وسورية، وفظائع تنظيم داعش، والأوضاع الإنسانية للاجئين والنازحين، وحماية التراث الثقافي. وكانت للاجتماع رئاسة مشتركة "فرنسية - عراقية - أميركية" صدر عنها بيان مختصر، من أهم ما ورد فيه:

- تجديد العزم على إخراج داعش من المناطق التي يسيطر عليها في العراق وسورية، وتوفير مزيد من الدعم الجوي والتدريب لإنجاز ذلك.

- إعادة التأكيد على الأهمية البالغة للمضي قدما وسريعا في تنفيذ الإصلاحات والمصالحة التي تضمنها برنامج الحكومة العراقية المتفق عليه، بما في ذلك تطوير الحرس الوطني بحيث توضع المجموعات المسلحة كافة تحت سيطرة الدولة.

- تأكيد الحاجة إلى وقف تدفق المقاتلين والأموال إلى صفوف داعش، ومجابهة أيديولوجية التنظيم.

- تأكيد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي شارك في رئاسة الاجتماع، لالتزام السلطات العراقية بتقوية حكم القانون واحترام حقوق الإنسان للجميع، وتبني سياسة تضمن المشاركة العادلة لمكونات المجتمع كافة، والمساواة بين المواطنين دون تمييز.

- استعرض العبادي خطة تحرير الأنبار التي أقرتها الحكومة في 18 مايو، وتشمل تسريع الدعم لمقاتلي العشائر، وتزويدهم بالتدريب والعتاد للقتال إلى جانب القوات العراقية، وإعادة هيكلة قوات الأمن لتمكينها من السيطرة على المناطق التي يتم تحريرها، ودعوة المجتمع الدولي إلى تمويل خطة البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لاستعادة الاستقرار في المناطق المحررة، وضمان أن تعمل جميع القوات المشاركة في التحرير تحت سلطة رئيس الوزراء والقيادة العسكرية الرسمية.

- أيد المجتمعون خطة الحكومة العراقية، وأعلنوا عزمهم على دعمها، خاصة توجّه الحكومة إلى حشد مقاتلي عشائر الأنبار وتسليحهم. ودعوا إلى "إجراءات وسياسات ملموسة" للتعامل مع التظلمات المشروعة للمواطنين، وللمصالحة الوطنية، وفقا لبرنامج الحكومة الذي تم الاتفاق عليه في سبتمبر 2014.

- تأكيد الحاجة الملحة إلى التوصل إلى حل سياسي للصراع في سورية، لمعالجة الأسباب الجذرية لتوسع داعش، محملين النظام السوري مسؤولية تدهور الأوضاع السياسية والإنسانية، وانتشار التطرف، عبر انتهاكاته المستمرة للمواثيق الدولية.

وفي محاولة لرفع مستوى الالتزام تجاه هذا التحالف الذي لم يتمكن حتى الآن من تحقيق النتائج التي أنشئ من أجلها العام الماضي، تم الاتفاق على لقاء يعقد، على مستوى القمة للعضوية الكاملة للتحالف الدولي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2015 في نيويورك.

ومما يلاحظ على بيان باريس، أن الثناء والتأييد لجهود الأمم المتحدة وبرامجها المختلفة احتل أجزءا كبيرا من البيان، سواء فيما يتعلق بالعمل الإنساني أو حماية التراث العالمي من هجمات داعش، ولكن دون ذكر حجم تلك الجهود أو تكلفتها المالية أو مقدار الاستفادة الحقيقية منها.

في المقابل فات معدي البيان ذكر المساعدات الحقيقية التي قدمتها دول مجلس التعاون للاجئين والمهجرين من سورية والعراق. فدولة الكويت وحدها نظمت ثلاثة مؤتمرات دولية خلال السنوات الأربع الماضية، عُقد ثالثها في 30-31 مارس 2015، ونجح في حشد نحو 4 مليارات دولار للعمل الإنساني للشعب السوري. واعتمدت الكويت هذا الأسبوع مبلغ "200" مليون دولار للعمل الإنساني في العراق، وقامت بقية دول المجلس بجهود مشابهة.

ومما يلفت النظر أن العراق، بخلاف سورية، بلد غني يمكنه، لو توافرت الإرادة السياسية، توفير ما يحتاجه العمل الإنساني هناك، ومع ذلك رأينا في باريس مطالبة العراق مرة أخرى بالدعم الدولي. وفي حين يسمح العراق لإيران بالتدخل العسكري والسياسي، فإنه يقصي جيرانه العرب، إلا فيما يتعلق بطلب العون المالي.

وتنسب صحيفة "نيويورك تايمز" الصادرة يوم الأربعاء "3 يونيو" إلى "كثير" من أعضاء التحالف اعتقادهم بأن التحالف مهما ضاعف من جهوده في دعم القوات العراقية، بتركيبتها الطائفية، لن يتمكن من هزيمة داعش أو إخراجها من المناطق التي احتلتها ما لم يقتنع المجتمع السنّي في العراق بالقتال ضد داعش. وبالمثل تقول الصحيفة إن الشعب السوري يرى الحكومة السورية ومن ورائها إيران في حرب مع الأغلبية السنية، ولن يتحمّس لمحاربة داعش ما لم تتم هزيمة النظام أولا. ولكنها ترى بصيصا من الأمل في سورية في وجود مجموعات مسلحة مستقلة، على استعداد لمحاربة النظام وداعش في وقت معا، وإن كانت ترى الأولوية في إبعاد الأسد أولا. ومثل هذا قاله وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" الأسبوع الماضي، حين قال إنه لا يمكن هزيمة داعش في العراق ما لم تقم الحكومة بجهد كبير لإقناع السنة وإعطائهم دورا أكبر في الحُكم، مضيفا: "ليس هناك حل عسكري بدون حل سياسي".

ومع أن رئيس الوزراء العراقي أشار إلى رغبته في تمكين الطوائف المختلفة، إلا أن حديثه تركز على الحل العسكري، متحدثا عن التطور النوعي في أسلحة داعش والحاجة إلى تزويد العراق بمزيد من الأسلحة لمواجهة هذا التطور.

أما صحيفة "واشنطن بوست" فنسبت إلى بعض المشاركين في المؤتمر قولهم إن العبادي ركز على لوم المجتمع الدولي على الفشل في حل الأزمة في بلاده، بدلا من الاعتراف بدور حكومته البارز في ذلك الفشل. وهذا بيت القصيد.