تعيش الأمة العربية والإسلامية اليوم وقتا عصيبا نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجلي عنها هذه الغمة، وأن يعود الأمن والسلام والعزة لها.. فالفرقة والشحناء والاقتتال والبغضاء تسود أمتينا.. والمسلم الذي يقول لا إله إلا الله يقتل أخاه المسلم الذي يقول لا إله إلا الله.

لقد ذهبت ريح العرب والمسلمين وتحقق فشلهم واستبيحت كرامتهم وانتشر الخوف بينهم، ونال الأعداء منهم ووقعت الفرقة بينهم وانتشرت الضغناء فيهم، وجعل بعضهم يضرب بعضا ولا حول ولا قوة إلا بالله.. ولعل ذلك مصداق لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قتل، ولا المقتول فيم قتل، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: "الهرج، القاتل والمقتول في النار" رواه مسلم.

وفي حديث آخر يوضح أن العقول تذهب في الفتن وتحار وتطيش، وفي هذه الحالة لا يملك عقله إلا القلة من الناس.. وأكثرهم يندفع للفتنة بلا رشد ولا هداية ولا عقلانية.. ولا حصافة رأي.. وقد روى أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن بين يدي الساعة لهرجا"، قال: قلت: يا رسول الله، ما الهرج؟ قال: "القتل"، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس بقتل المشركين، ولكن يقتل بعضكم بعضا، حتى يقتل الرجل جاره، وابن عمه وذا قرابته"، فقال بعض القوم: يا رسول الله، ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا، تنزع عقول أكثر ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم".

إن المرء الآن ليستغرب كيف يقتل المسلم أخاه المسلم وفي المسجد وهو يعبد الله.. ويشهد ألا إله إلا الله.. أين العقل؟ وأين الرشد؟ وأين الدين من كل ذلك؟ والمشكلة الأساسية أن هؤلاء محسوبون على الإسلام، وتتحدث كل وسائل الإعلام عنهم كمسلمين يمثلون الإسلام في أبشع صورة والإسلام براء منهم..

الإسلام دين السلام، فتحية الإسلام هي "السلام"، والإسلام يدعو إلى القيم والمثل والأخلاق العالية وقيم المحبة والسلام والتسامح والتعاون وليس القتل والكراهية ونصب العداء؟ ولنا في سيرة رسول الله أسوة حسنة كيف كان يتعامل مع غير المسلمين ومع جاره اليهودي والآيات والأحاديث كثيرة في ذلك.. وأولئك ليسوا مسلمين ونحن في هذا الزمان نرى من يناصب العداء والكراهية والقتل للمسلمين بل لأبناء الوطن.. والسؤال هنا هو كيف نقدم ديننا الإسلامي العظيم للعالم؟ أبهذه الطريقة نقدمه؟ أبهذا الأسلوب ندعو الناس إلى حب الإسلام وحب المسلمين والدخول في الإسلام؟ أهذا هو الرشد والعقل والتصرف الحكيم؟

في ظل كل ذلك يبرز أمر مهم هو أن الخروج من هذه الأزمة هو بالتلاحم والوقوف صفا قويا خلف قيادتنا وخلف ولي أمرنا للخروج من هذه الفتنة، فما هذه الأحداث إلا محاولات لشق الصف وزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد وتغييب الأمن والاستقرار اللذين تميزت بهما هذه البلاد .. إن تماسك مجتمعنا هو الحل الوحيد بعد توفيق الله للخروج من هذه الأزمة.. يقول الشيخ إبراهيم الحقيل "الاجتماع رحمة، والفرقة عذاب.. فبالاجتماع تأتلف القلوب، وتزداد القوة، وتهاب الأمة، ويتحقق الأمن. وبالفرقة تستوحش القلوب، وتتنافر النفوس، وتذهب الريح، ويتحقق الفشل، وتستباح الأمة، وينتشر الخوف. وما نال الأعداء إلا بسبب الفرقة.. حين أوقعت الفرقة الناس، ونشروا الضغائن فيهم، وجعلوا بعضهم يضرب بعضا".

هذا بالضبط ما سنجنيه من تلاحمنا تآلف القلوب وازدياد القوة والهيبة والأمن والاستقرار لبلادنا وأمتنا.. بهذا التلاحم في مجتمعنا نضيع الفرصة على القلة القليلة التي تعبث بسمعة ديننا وتعبث باستقرار وأمن بلادنا وأمتنا.. هي قلة قليلة نستغرب كيف يمكنها التغلب على الأكثرية الفاضلة.. كيف يمكن لهذه القلة أن تفرض أجندتها بتشويهنا وتشويه ديننا وتعبث بأمننا.. في لحمتنا وتماسكنا حفاظا على سمعة ديننا.. وحفاظا على مقدرات بلادنا ومكتسباتها.. وخروجا من هذه الغمة بإذن الله.. ورسالة قوية لمن يريد الشر لبلادنا.. أعداؤنا الآن سعيدون ومستمتعون بمشاهدة ما يجري لنا.. هم وجدوا من يقوم بما يودون القيام به دون خسارة بشرية أو مالية أو جهد.. وجدوا بالوكالة من يحقق أهدافهم بلا عقل ولا رشد ولا حصافة.. والحل يكمن في لحمتنا وقوتنا وتماسكنا كي نخرج من هذه الغمة ونتفادى ما يجري لبعض البلدان من حولنا، والذين نسأل الله -جلت قدرته- أن يفرج عنهم كربتهم ويعيد لهم أمنهم واستقرارهم ويجنبنا ما حل بهم ويديم علينا وعلى بلادنا عزها وأمنها واستقرارها وأن يهدي ضالها.