"الملك لنزاهة: لا حصانة لأحد" هكذا عنونت صحيفة "الوطن" للخطاب التاريخي لخادم الحرمين الشريفين ملك الحزم سلمان بن عبدالعزيز، الذي وضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وقال بمنتهى الوضوح "حق المواطن أهم من حقي"، وهي الجملة الجامعة التي اختارتها صحيفتي مكة واليوم وبقية الصحف كعنوان رئيس.
وسائل الإعلام المحلية، وأفراد المجتمع السعودي تناقلوا بتيمن كبير تفاصيل تلك الكلمة التي تؤسس لمرحلة عنوانها "مكافحة الفساد"، مطمئنين إلى أن ملك الحزم سيلغي بالإصلاح والمحاسبة والشفافية مفردة "الفساد" من قاموسنا.
اليوم، أجد نفسي مندفعا بحماس كبير إلى تسجيل ما أظنها أبرز الملاحظات التي أعاقت فاعلية مكافحة الفساد.
في أغسطس 2013 وجهت سؤالا للمدير الإقليمي لمنظمة الشفافية الدولية كريستوف ويلكي؛ عن حراكنا السعودي لمكافحة الفساد، وعن هيئة "نزاهة" وفاعليتها في هذا الحراك، كان سؤالي يحاول استشراف موقعنا من تقرير المنظمة السنوي، قبل أشهر من صدوره ذلك العام.
أجاب ويلكي بذكاء لم يسمح لي بتكهن النتيجة؛ إلا أنه أشار إلى نقطة يعتبرها رئيسية في التقييم، وهو يؤكد "أن الخطوات التي اتخذتها نزاهة لتفعيل مشروع قانون حماية المبلغين عن مخالفات الفساد يقصر كثيرا عن المعايير الدولية".
في الصفحة ذاتها التي نشرت فيها هذه الإجابة، ترك أحد القراء التعليق التالي "شاهدت مجموعة من اللصوص يسرقون معدات مزرعة بالكامل واتصلت على الشرطة وأعطيتهم رقم السيارات وفوجئت أن المحكمة تريد أن تقابلني بالشهود، فتمنيت أني لم أبلغ خوفا من اللصوص".
هذه القصة تتكرر بتفاصيل مختلفة، إذ بات صاحب البلاغ هو الحلقة الأضعف في دائرة الفساد، وكثيرا ما دفع موظفون ثمن نزاهتهم ومبادرتهم في هذا السياق.
الجزء الثاني الذي تحدث عنه خبير مكافحة الفساد، ونشرته "الوطن" وتجاهلته "نزاهة" هو أهمية سن قانون يفرض على الموظفين العموميين الإفصاح عن الأصول، لأنه يعتبر أداة مهمة في منع وكشف الفساد.
من الإنصاف ألا نحمل "نزاهة" وحدها تبعات هذه القضية، خصوصا وهي تشتكي من ضعف صلاحياتها، قبل أن تمنح، ومثيلاتها من الأجهزة الرقابية، كامل الصلاحية عبر هذا الخطاب التاريخي المعلن.
الآن.. سنترقب بحماس كبير تحرك الأجهزة الرقابية بما يتسق مع تطلعات المملكة قيادة وشعبا، وبما يرتقي لهذه الصلاحيات الممنوحة والمعلنة من ملك الحزم. ولا عذر لأحد.