الإرهاب ظاهرة عالمية ليست خاصة بمجتمع معين أو دين معين، ولا بعرق وجنس وأمة بعينها، عانت منه ولا تزال كثير من دول العالم وشعوبها.
آلاف الكتب تحدثت عن هذا الداء وتصدى كثير من المفكرين والعلماء واللغويين لإيجاد تعريف لهذا الداء، وحين نستعرض ماذا نعني بالإرهاب سنجد هناك آلاف التعريفات أيضا تختلف باختلاف المفاهيم والخلفيات الثقافية وطبائع وخصائص المجتمعات. ليس بالضرورة أن تذهب المخيلة حين نتحدث عن هذا المصطلح إلى التفجير والتكسير والعنف المادي، فالإرهاب الفكري ربما يكون أعظم خطرا وأشد وطأة.
المنظمات الإرهابية والفكر الإجرامي عبر التاريخ وما ينتج عن أفعالها من تدمير للإنسان ومنجزاته الحضارية وإشاعة للفوضى وانعدام الأمن وازدهار صناعة الموت كان دائماً نتيجة للتطرف الذي هو السبب الأصلي والأساس.
التطرف أيضا له أسباب ومغذيات تسهم في نشوئه، وما من مجتمع تبدأ فيه بذور التطرف وتجد مناخا ملائما إلا وسيكتوي بنار الإرهاب كنتيجة طبيعية لا تحتاج إلى كثير من الذكاء لفهمها ومعرفتها. التطرف في الأفكار كما أشرنا سابقا لا يقل خطرا عن تطرف الحركات الدينية ومنها الإسلامية كمثال، اليمين المتطرف ارتكب حماقات لايزال العالم يعاني آثارها كما أن اليسار المتطرف فعل ما هو أنكى وأدهى.
في هذا المقال سيكون الحديث مركزا فقط على تطرف الحركات الإسلامية بحكم أنها التي تهمنا في المشهد المحلي والتي لا بد من تشريحها ودراستها بعناية لمحاولة التصدي لإرهابها الناتج عن تطرف معتقداتها وقيمها وأدبياتها. في عدة دراسات وأبحاث عملت عليها عددا من السنوات واستمزاج آراء كثير من الشباب ومن ضمنهم طلابي الذين كانوا يتجاوزون الخمسمئة في كل عام، ثم زملائي الطلاب كطالب في مراحل لاحقة في أميركا لاحظت أمرا مهما وربما هو عامل مشترك لدى هؤلاء الشباب. تقديس رجل الدين أو النظر إليه وإلى طرحه كمسلمات لا تقبل الجدل والنقاش أمر كان يثير استغرابي لدرجة أن الكثير لا يؤمن بفكرة أن هذا الواعظ أو الشيخ سواء كان معمّماً أو يعتمر شماغا دون عقال ربما يكون مخطئا. نظرية الخطأ والصواب لم تكن فعالة في أذهان أولئك النشء، بل إن تقديس رجل الدين أمر لا يقبل النقاش وكأن تلك العقول الغضة الطرية لم تسمع بتلك العبارة المشهورة في تراثنا- كل يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر- ولم يصل إليهم- رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
من السهل أن تنتقد أمامهم رأي ابن سيرين أو غيره من أتباع التابعين، بل ربما لم يسمع بأسماء أولئك السلف الصالح، ولكنه لا يتقبل أن تنتقد فكر الشيخ فلان أو رأي الشيخ علان ممن يتبع منهجهم وفكرهم. كثرت في الآونة الأخيرة مسميات تلك المجاميع ورموز تلك التيارات ممن تلعن بعضها بعضا وتطعن في رموز بعضها البعض من جامية وسلفية وإخوانية وحرورية وتبليغ وجهاد وأسماء لا تنتهي. الخطاب الديني يحتاج لتجديد وتشذيب وإعادة صياغة ليكون مناسبا لهذا العصر وأن يكون أكثر واقعية ومصداقية.
حين نلامس الجرح بأصبعنا ينبغي أن نتجرد من المجاملة فالخطر عن وطن ولسنا من تفجيري القديح والعنود ببعيد ولسنا عن ضياع كثير من شبابنا خلف أفكار تستورد من الخارج جاهزة معلبة من مصانع قم وأصفهان كما هي تلك العقول الأخرى التي يفخخها جاهل حاقد في كهوف خارج الزمان والمكان والعصر عبر الإنترنت طورا وعبر ممثليه على الأرض أطوارا أخرى. قوى الرفض التي تنتهج صناعة الموت تعلم أن التطرف هو المحرك وهو الزبدة وهو النتيجة التي تحقق لهم أهدافهم، فحين تنجح عملية غسل الأدمغة ويتطرف صاحب ذلك العقل بعد أن يتم تغييبه يكون من السهل على المجرم الحقيقي دفع ذلك الدمية إلى الإرهاب من خلال حزام ناسف يلف به جسده.
تلك الكائنات التي تعجز عن صناعة الحياة بل تحاربها لم تبدأ بمغازلة عقول تلك الدمى بالحزام الناسف، بل بدأت بشحن تلك العقول بكره مباهج الدنيا وجمالياتها وإقناع تلك الأدمغة أن هذه الحياة التي أمر الله أن نعمرها ونعمّرها لا تستحق وتستعجلهم الانتقال للآخرة، بينما أولئك المحرضون وأبناؤهم يتمتعون بها حتى الثمالة فهم لا يذهبون للسماء ولا أولادهم بينما يرسلون أبناء الآخرين إليها.
التطرف يبدأ حين يتم تسطيح العقول والوصاية عليها والترويج لادعاء امتلاك الحقيقة. حين يتم زورا وبهتانا تجريم الفنون والآداب والمسرح والسينما والتحذير منها وتحريمها وتشويه المفاهيم النورانية وتفخيخ عقول الطلبة من بعض عاقي الوطن في المخيمات والاستراحات. لا تلم مراهقا أقنعه صناع الموت أن مئات الحور تنتظره على أحر من الجمر، حين يكره الحياة والفنون ويحيط وسطه بحزام ناسف وأن تلك الحورية تريد منه فقط أن يضغط على زر المفجر في حزامه أو في السيارة التي يستقلها، وأن هذا من باب إرهاب أعداء الله.
لنقل بصراحة إن الملام هو ذلك المجرم الذي يسمي الوطن وثنا، ويعتقد ألا فرق بين الدمام وكشمير، فكلها دياره ووطنه كمسلم. ذلك الإرهابي الحقيقي يعيش بيننا بل يتحدث عن أمميته علنا وأمامنا، وفي مجالسنا وصحفنا وقنواتنا أن الإخوة في الفلبين ممن إزاره فوق كعبيه أقرب إلى قلبه من الشباب المستنيرين ممن أثوابهم تنزل لأسفل الكعبين في شرورة أو الرياض.
الإرهابي الحقيقي هو من يقنع ذلك الدمية أن حليقا خارج عن الملة والدين، بينما كهنوتي من الكنسيين الجدد في كهوف الطالبان ينبغي أن يكون أقرب إلى قلبه وأخاه في الدين وقدوة له ومثالا يحتذى. حين نلغي تقديس الأشخاص وأفكارهم ونصلح مناهج تعليمنا ونهتم بالعلم والفنون وجماليات الحياة وإلغاء وصاية التشدد والغلو، حينها ننتصر على الإرهاب. الإرهاب نتيجة فقط لذلك ينبغي محاربة التطرف، ومحاربته أولا بأن ندع المجاملة جانبا وأن نهتم بتعليم أولادنا جماليات الحياة التي يرفضها المتطرفون.