"ستستمر الحرب على داعش لسنوات عدة" قالها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في الوقت الذي يسعى رئيسه باراك أوباما إلى تمرير اتفاق نووي غير قابل للتراجع مع طهران مع اقتراب نهاية ولايته الرئاسية الثانية، وبعد أن مسخ الهيبة الأميركية كما لم يفعلها رئيس قبله في تاريخ الولايات المتحدة.

تصريح كيري جاء أثناء عقد مؤتمر التحالف الدولي ضد "داعش" في باريس، إثر الفشل الذريع للتحالف في القضاء على التنظيم الإرهابي أو الحد من تقدمه في أضعف الإيمان، فقد وصل الأخير إلى قلب الرمادي في العراق و"تدمر" في سورية تحت أنظار طائرات النظام السوري والطائرات الأميركية ذات الإمكانات المتطورة.

النكسات الأخيرة على الأرض تشكك في نية أو قدرة التحالف الدولي على الحد من تقدم جهاديي "داعش" كما تظهر فشل المجتمع الدولي في إنهاء الصراع وعجزه عن وضع استراتيجيات ناجعة، لا سيما في غياب أي دعم حقيقي للمعارضة المعتدلة في سورية والعراق، وانعدام أي رغبة برفد نواة عربية قادرة على سد الفجوة التي استغلها "داعش" في البلدين، والتصدي للمد الإرهابي الذي تغذيه الممارسات المتطرفة للكتائب الإيرانية وأتباعها.

كي نفهم أسباب فشل التحالف، علينا أولا أن نعترف بعشوائية مساره وعدم امتلاكه خطة حقيقية، وقد بدا هذا واضحا للخبراء العسكريين على الأقل، منذ اليوم الأول لإعلان أوباما أن الضربات ستكون جوية فقط وأنه لا تدخل بريّا، فمن المعلوم أن أي ضربات جوية غير مرفقة بعمليات عسكرية على الأرض هو محض هراء تماما كتناول المسكنات لتخفيف الألم فيما السرطان مستمر في أكل الجسد، خصوصا في ظل امتلاك التنظيم لخزان دعم بشري لا ينضب مقره العراق، وانتشار عناصره في الصحراء الواسعة وتنقلهم المستمر واعتمادهم سياسة الاختفاء في الأنفاق، ما يصعب حصرهم كأهداف محددة، يضاف إلى ذلك التسهيلات الكبيرة التي يقدمها النظام إليهم في سورية وتركه للمدن نهبا لهم عن قصد أو عن ضعف في إمكانات جيشه، وانشغال قوى المعارضة المسلحة، الضعيفة أصلا، بقتال النظام للحفاظ على مناطق وجودها وعدم مقدرتها على فتح جبهة إضافية ضد "داعش"، ثم لا بد أن نفهم طبيعة الترابط الوثيق والجوهري بين فرعي التنظيم في العراق والشام، من ناحية الإمدادات العسكرية والبشرية والمادية المتبادلة والدعم الاستراتيجي الذي يؤمنه الخط الجغرافي الواصل بينهما وأي محاولة للتصدي للتنظيم خارج هذا السياق لا فرصة لها في النجاح، ومن غير الممكن فصل الحالة السورية عن المشهد العراقي فمضخة الدم في بغداد، هناك حيث ولد "داعش" ونشأ في خضم الغزو الأميركي مدعوما من إيران ثم مدته الفوضى المديدة في سورية بإكسير الحياة فتمدد وتحول إلى وحش بات من الصعب إيقافه.

بالعودة إلى أوباما، أضعف رئيس أميركي حتى اللحظة حتى من وجهة نظر ناخبيه، لقد أدى تردده عن معاقبة الأسد ودعم المعارضة المعتدلة المؤجل حتى اللحظة، وتخبطه وقلة تقديره لعواقب الأمور رغم تحذيرات بعض الضالعين في السياسة الأميركية وتواطئه المرجح مع إيران، أدى إلى ما نحن فيه، صحيح أنه لم يجرؤ حتى اللحظة على إعلان رضاه عن تدخل إيران في الشأن السوري خشية الرد الخليجي إلا أن غموض وهشاشة استراتيجية التحالف وغض الطرف المستمر من قبل الإدارة الأميركية عن وجود آلاف المقاتلين من حزب الله والحرس الثوري الإيراني على الأرض السورية يفضح ما تحاول التصريحات الأميركية المتناقضة الالتفاف عليه، ويكشف النفاق في التعاطي مع الملف السوري قبل وبعد اتفاق لوزان، وقبل أيام فقط أعلن قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني أن العالم سيشهد مفاجآت على الأرض السورية، تلا إعلانه هذا تصريحات خامنئي بدعم طهران لبشار الأسد حتى النهاية، وهو ما حدث بالفعل في الساحل السوري، إذ وصل حوالى ألف وخمسمئة مقاتل إيراني حسب مصادر في المعارضة ومن المتوقع أن يصل المزيد إلى إدلب خلال أيام.

كما دعا حسن نصر الله إلى النفير العام معلنا عن التجنيد العام لأبناء الطائفة الشيعية في لبنان لقتال المتطرفين، وهذا يعني أيضا مزيدا من الدعم اللوجستي لنظام الأسد ومساعدته في قتل شعبه تحت ذريعة الإرهاب وإلا ماذا كانت تفعل ميليشيات حزبه كل هذا الوقت في سورية، ولماذا لم تردع "داعش" الذي تقدم بينما كانت هي تقتل السوريين؟ التصريحات ليست بجديدة إلا أنها تؤكد للمتابع المشكك لا أخلاقية الموقف الأميركي إزاء سورية وقضايا المنطقة بشكل عام، وأن تحتَ مياه بحيرة لوزان السويسرية ما تحتها من أسرار وصفقات تمت بين اللاعبين، أبسطها تسليم سورية لإيران، فهل سيتلوها غرق المنطقة كليا في مستنقع "داعش" كي يبدو الهلال الفارسي الإيراني المأمول قدرا محتوما كإسرائيل؟