تبدو مظاهر الاستعداد لشهر رمضان المبارك في اليمن منعدمة تماماً أو تكاد تكون كذلك هذا العام، بفعل ما أحدثه انقلاب الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح على السلطة الشرعية، وشنهم حروباً همجية أحدثت جروحاً غائرة طالت كل بيت يمني.

سلب الانقلابيون فرحة اليمنيين المعهودة بقدوم رمضان، كما تسببوا في حرمانهم من إجراء التحضيرات التي يقومون بها قبيل بدء الشهر، فالأسواق التي كانت تشهد ازدحاماً كبيراً في مثل هذه الأيام انخفض زوارها إلى أدنى مستوى، بعد ارتفاع الأسعار وانقطاع مصادر دخل غالبية اليمنيين، والقنوات التي كانت تعلن عن برامجها الرمضانية متوقفة عقب أن اقتحمها الحوثيون ونهبوا محتوياتها.

اختفت عادات وتقاليد اليمنيين التي ألفوها وظلوا يمارسوها منذ مئات السنين في استقبال هذا الشهر، وضاع استبشارهم به في غمرة المعارك التي تشنها الميليشيات الانقلابية وبين أنباء الضحايا الذين قتلوا برصاصات الحوثي وصالح، ولم يعد في تفكير اليمنيين كيف سيستقبلون رمضان ويستغلون أيامه المباركة، بل سيطر عليهم شعور موحد هو أن يمر هذا الشهر بسلام، وهل سيتخذ منه الانقلابيون فرصة لمراجعة أنفسهم والتكفير عن جرائمهم الفائتة، كما يقول اليمنيون.

يخرج المواطن علي الناصر من أحد المتاجر الكبيرة في العاصمة صنعاء، وملامح الضجر بادية على وجهه، وحين سئل عن السبب قال إنه صدم من ارتفاع أسعار السلع إلى أكثر من الضعف وانعدام بعضها بشكل كلي.

وتساءل الناصر، وهو موظف حكومي، في حديثه إلى "الوطن" عن مقدرة اليمنيين ذوي الدخل المحدود، وهم الطبقة الأكثر انتشارا في مناطق اليمن، على شراء حاجيات رمضان في ظل الاحتكار الحالي وغياب السلطات الحكومية عن القيام بأي دور رسمي بسبب الانهيار الكامل لكل مؤسسات الدولة الذي أحدثه انقلاب الميليشيا.

أما الشاب ناصر عبدالرزاق فقد عبر عن تفاجئه بقدوم رمضان دون أن يكون له الصدى والاستعداد الذي اعتاده المواطنون، وقال في تصريحات إلى "الوطن" إن الأزمات الحالية الاقتصادية والأمنية، والوضع الإنساني وتفاقمه بشكل يومي، أضاع حديث اليمنيين عن رمضان في غمرة هذه الأحداث المتلاحقة، وأنستهم استقباله، الذين كان يحدث في العادة بأكثر من شهرين.

وعن الفارق بين قضاء اليمنيين لرمضان في الأعوام الماضية ومروره عليهم هذا العام، قال ناصر إن كل شيء مختلف فقد أفقد الحوثيون والمخلوع اليمنيين الأمن والأمان الذي كان يعم البلاد في رمضان، وعلاوة على الضحايا من القتلى والمصابين، فهناك الملايين الذين شردوا بسبب حربهم وغادروا منازلهم إلى أماكن أخرى، في محاولة للعثور على مكان أكثر أمناً وبعيداً عن أعين الانقلابيين وسلطتهم، بل بلغت بهم الجرأة إلى إشاعة معلومات تفيد بأنهم سيمنعون صلاة التراويح من مساجد اليمن بشكل نهائي.

وتعيش اليمن أوضاعاً إنسانية صعبة منذ احتلال الحوثيين وحليفهم صالح للعاصمة صنعاء، واستيلائهم على مؤسسات الدولة بقوة السلاح، ويقول مواطنون إن هذه الأيام هي أسوأ أيام عايشوها طوال عقود مضت، وإن شهر رمضان المفترض أن يكون شهر التسامح والتصالح بين اليمنيين يأتي هذا العام وسط بغيٍ للحوثي وصالح وقتل وتدمير لليمن واليمنيين.