العنوان هو العتبة الأولى في أي منتج إبداعي، ومدخل مهم للإفصاح عن الكتاب، ونفسية كاتبه، والطريقة التي يريد الكاتب إيصال ما بداخله إلى المتلقي.

التظاهر بالصمت يشي بغليان الحروف بدلالة غير معلنة، لذا استند القاص يحيى العلكمي على هذه المفارقة في عنوانه، فكيف توافق كلمة متظاهر"الحركية" مع الصمت "السكون"، فالعنوان يصور حالة قلق الكاتب مخافة الإفصاح، أو أنه تعمد إشغال القارئ وأخذه إلى قراءة المجموعة.

اتكأ القاص على كلمة منمنمات في وصف نصوصه السردية، والمنمنمة هي صورة مزخرفة في مخطوط، لأن نصوصه تراوحت ما بين القصر والتكثيف وما بين الإطالة، وكأني من خلال عنوان مجموعته يتخوف من خروج بوح سارده من سقف حلقه مخافة أن يدلل عليه، على الرغم من أغلب النصوص تناولت الحاجة والإحباط، ومن يقرأ المفارقة في عنوان المجموعة، سيتبادر إلى ذهنه أن القاص سيقيم الدنيا ولن يقعدها.

رصد القاص في نص "من حديد" تحول الأنثى وقت العوز والحاجة إلى ما يشبه الحديد، كدلالة صلابة وتحمل لتأمين لقمة لأطفالها، وهذه حالة في أغلب بقاع الدنيا اشتغل على بيان الوجع الإنساني ليبين حجم التعب الذي تتحمله هذه المرأة في ركضها المتواصل.

"لكنها بالفعل امرأة من حديد.. إذ تطوي شعاع النهار على خصرها، ثم تلتهم الطرقات.. فبين جمع الحطب وإعداد الخبز، ثم الذهاب به إلى السوق، وبين ما تنتظره أسرتها لحظة الغروب يوم ثقيل" (ص 9).

وفي نص "انحياز" يصور القاص بشكل مكثف حالة عامة تتجلى بارتباط الإنسان بوطنه، رغم ما يكابده من فقر وحاجة.

"لا يملك منزلا.. ولا وظيفة، ولم يتجاوز تفكيره قوت يومه.. لكنه حين جاءته فرصة السفر إلى خارج وطنه تشبث بالتراب، ثم بكى على حافة الحلم". (ص 35).