كما أشرنا يبدو أن أهم أسباب ما نحن فيه من تعرض لخطر الإرهاب، عدم قيام التعليم بدوره وهشاشة الفكر المجتمعي، لكن هنالك شأن استغل ضعفهما باقتحامهما بسهولة، وبدا أنه المرحلة الأخيرة لبسط الفكر المتطرف وتسييره حسب ما يشاء.

والأكيد أن هذا الجانب من أهم الأشياء التي لم تعن وزارة الداخلية، فالإعلام -مقروءا كان أو مشاهدا- الأشد تواصلا اجتماعيا، ومن أحد أهم وسائل بث الفرقة والتطرف، بل إن كثيرين استملحوا القيام بمهمة التفرقة إما عن جهل أو لتنفيذ أجندات، فهل يعقل أن يصل الأمر إلى أن يحدد دكتور جامعي له طلابه ومريدوه عبر التويتر المنطقة الأقرب لدخول الجنة.. ليكون الآخرون غيرهم أقرب إلى الكفر.. ويا لسوء مثل ذلك!

نقول إن الإعلام يتبوأ في حياتنا الراهنة مكانة جماهيرية كبيرة بل وخطيرة، إذا نظرنا إليها من زاوية التأثير في سلوكيات الناس وأفكارهم ونظرتهم إلى الحياة سلبا وإيجابا، في البدء علينا أن نعترف أن الإعلام الحكومي الرسمي ليس بذاك التأثير، بل إن ضعفه أدى إلى انكماشه، لذا لن يكون هو مقياسنا وما نشدد عليه هنا الدور الذي لعبته الفضائيات التجارية ووسائل الإعلام الجديد، من فيسبوك وتويتر وما شابهها في الإقصاء وبث العدائية ومن ثم تسهيل وصول الفكر الإرهابي.

ففي وسائل التواصل الاجتماعي يتلاعب المتطرفون وأصحاب الأفكار الشاذة بالرعاع ويسوقونهم بأفكارهم، حتى بات الاختراق سهلا، وأمام أعين وزارة الإعلام، وكل من له شأن بحماية المجتمع، ولم تختلف القنوات الفضائيات التجارية في الاهتمام بالمتعصبين لرأيهم، ليكون التعصب للرأي سمة من سمات المجتمع، فمن يكره الآخر بسبب فريق كرة قدم أو انتماء لقبيلة فمن السهل أن يقاتله من جراء اختلاف المذهب، وهو ما أنشأ جيلا من سماته ضيق الأفق ومحدودية الرؤية.

 وإذا كان إعلامنا السعودي كثيرا ما يندد بالتفكير المتعصب، فإن كثيرا ممن استأمناهم على حواراتنا وقيامهم بالمراجعة لعوامل وأخطار هذا التفكير لم يكونوا على قدر المسؤولية، فهم يقولون شيئا ويفعلون عكسه عبر كتبهم وخطبهم وتغريداتهم! وعليه فلابد أن نعيد صياغة إعلامنا، وأن نسهم جميعا بمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي لأن الخطر وصل إلى داخل المسجد وباب البيت، بحيث تعمل الأجهزة المعنية في وسائل الاتصال الجماهيري من أجل نشر الوعي بالأخطار، بحيث يظل هذا المنهج معيارا نقف عنده، ونحاسب كل من يخالفه. وفي الجانب المهم، لم نجد أو نقف على أي توعية مباشرة من وسائل الإعلام بكيفية الطرق التي يستهدفها أصحاب الفكر الشاذ لتحقيق أهدافهم، لم نجد برامج منتشرة ترسخ الوسطية والاعتدال والتسامح، أيضا أن نعلن ونكشف على الملأ "وأن يكون ذلك في التعليم أيضا" طرق استخدام الإرهاب لتقنية الإعلام الحديثة في التجنيد والتمويل وتنفيذ العمليات، نجعل أبناءنا أكثر وعيا بأساليب المخربين، لكن لم يتسن ذلك، لأن الإعلام لدينا منغلق على نفسه وعلى تعصبه للفريق الكروي والطائفة والقبيلة، ووزارته مثل ناقة عريمان "إن بركت ما ثارت، وإن ثارت نارت".

وقبل أن أختم أضيف جانبا مهما عن وزارة الشؤون الإسلامية وغفلتها عما يدور في بعض المساجد: هل تعلم عن برامج مراكز التحفيظ ومنهم الذين يقومون بهذا العمل؟ وهل سيطرت على خطبائها في كل المناطق أم أنها هي أيضا ممن ترك الأمير الوزير في مواجهة هذا الملف الخطير؟!